القربة إلى الله إلى عمل مشروع بطريق القربة إلى الله بفعل وترك فمن فعل إلى فعل أو من ترك إلى ترك أو من فعل إلى ترك أو من ترك إلى فعل وما ثم خامس للصورة وانتقال بالعلم من مقام إلى مقام ومن اسم إلى اسم ومن تجل إلى تجل ومن نفس إلى نفس والمنتقل هو السالك وهو صاحب مجاهدات بدنية ورياضات نفسية قد أخذ نفسه بتهذيب الأخلاق وحكم على طبيعته بالقدر الذي يحتاج إليه من الغذاء الذي يكون به قوام مزاجها واعتدالها ولا يلتفت إلى جوع العادة والراحة المعتادة فإن الله ما كلف نفسا إلا وسعها فإذا بذلت الوسع في طاعة الله لم يقم عليها حجة غير إن السالكين في سلوكهم على أربعة أقسام منهم سالك يسلك بربه وسالك يسلك بنفسه وسالك يسلك بالمجموع وسالك لأسألك فيتنوع السلوك بحسب قصد السالك ورتبته في العلم بالله فأما السالك الذي يسلك بربه فهو الذي يكون الحق سمعه وبصره وجميع قواه فإن عينه ثابتة ولهذا أعاد الضمير عليه لوجوده في قوله كنت سمعه فهذه الهاء هي عينك الذي الحق سمعها وبصرها وما سلكت إلا بهذه القوي وهذه القوي قد أخبر الحق أنه لما أحبك كان سمعك وبصرك فهو قواك فبه سلكت في طاعته التي أمرك بأن تعمل نفسك فيها وتحلى ذاتك بها وهي زينة الله وهو سبحانه الجميل والزينة جمال فهو جمال هذا السالك فزينته ربه فبه يسمع وبه يبصر وبه يسلك ولا مانع من ذلك ولهذا قال قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده لما أحبهم حين تقربوا إليه بنوافل الخيرات زينهم به فكان قواهم التي سلكوا بها ما كلفهم من الأعمال وهو قوله وإياك نستعين وهي كلمة تطلبها المجازاة فاستعانوا بالله على عبادته بأن كان قواهم كما أنه بوجود أعيانهم وإن كان وجودهم قد استفادوه منه لم يتمكن خلق الأعمال التي هي محاب الله إلا في وجود أعيانهم فحصل لديهم ضرب من الإعانة على إيجاد الأعمال التي لا تقوم بنفسها فلما عملوا بها وما زالوا يطلبون الاستعانة منه على ذلك جزاء وفاقا أعانهم بنفسه بأن قال لهم بي تسمعون وتبصرون وتبطشون وغير ذلك من القوي التي هم عليها ليست غير الحق بأخبار الحق والناس في عماية لا يعرفون من هذه صورته فكثيرا ما يسيئون الأدب على من هذه صفته فتكون إساءة ذلك الأدب مع الله فالاحتياط تعظيم عباد الله فإنه ما من شخص إلا ويمكن أن يكون هو ذلك العبد فإن الأمر غيب ما هو بمحسوس حتى يتميز إلا عند أهله فوجب مراعاة كل مؤمن على كل مكلف فإنه إذا فعل ذلك أحرز الأمر واستبرأ لنفسه ولا يقال له لم فعلت كذا فإنه قصد جميل فإن وافق محله وإلا فقد وفي الأمر حقه لقصده احترام الجناب الإلهي لما دخل في المسألة من الإمكان لكل شخص شخص وهذا لا يكون إلا للأدباء من أهل الله والقسم الآخر السالك بنفسه وهو المتقرب إلى ربه ابتداء بالفرائض ونوافل الخيرات الموجبين لمحبة الحق من أتى بهما لتحصيل المحبتين فهو يجهد فيما كلفه الحق ويبذل استطاعته وقوته فيما أمره به ربه ونهاه من عبادة ربه في قوله فاتقوا الله ما استطعتم واتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون وإن كانوا قد سمعوا هذا الخبر الإلهي واعتقدوه إيمانا به ولكن ما حصل لهم هذا ذوقا فيكون الحق قواهم فهم سالكون بنفوسهم في جميع مراتب السلوك من حال وعمل ومقام واسم وتجل وما يصح فيه الانتقال من أمر إلى أمر وهذا هو سلوك الأدباء من أهل الله وذلك أن الله كلف عباده فعلموا إن ثم حقيقة تقتضي أن تكون المخاطبة بالتكليف وما ثم إلا هم فيعلمون أنهم المرادون وإن لم يتعين عندهم بأي حقيقة توجه عليهم الخطاب فيسلكون بنفوسهم في العموم مع علمهم بأن الأمر لا بد فيه من نسبة خاصة أو عين موجودة تستحق التكليف فيبذلون المجهود ويوفون بالعقود وإن جهلوا المقصود إلى أن يفتح الله لهم كما فتح لمن سلك بربه وأما السالك بالمجموع فهو السالك بعد أن ذاق كون الحق سمعه وبصره وعلم سلوكه أولا بنفسه على الجملة من غير شهود نفسه على التعيين فلما علم أن الحق سمعه وعلم أن السامع بالسمع ما هو عين السمع ورأى ثبوت هذا الضمير وعاين على من عاد فعلم أن نفسه وعينه هي السميعة بالله والناظرة بالله والمتحركة بالله والساكنة بالله وإنها المخاطبة بالسلوك والانتقال فسلك بالمجموع وأما القسم الرابع وهو سالك لأسألك فهو إنه رأى نفسه لم تستقل بالسلوك ما لم يكن الحق صفة لها ولا تستقل الصفة بالسلوك ما لم تكن نفس المكلف موجودة
(٣٨١)