نغمات طيبة مستلذة تستلذ بها الأسماع كنغمات الدولاب فتكسو الأحوال وتنزل بها على النفوس الحيوانية في مجالس السماع فإن كانت النفس في أي شئ كانت من تعلق بجارية أو غلام أو يكون من أهل الله فيكون تعلقه حب جمال الإلهي متخيل اكتسبوه من ألفاظ نبوية مثل قوله في الصحيح إن الله جميل يحب الجمال وقوله في التجريد اعبد الله كأنك تراه فيأخذه الوجد على ما تخيله ومنهم من يغمره الحال لا من حضرة التخيل بل يجد أمرا لا يكيف ولا يدخل تحت الحصر والمقدار ومنهم من تهب عليه من هذه الأحوال التي تعطي الوجد روايح على نفوس غير عاشقة إلا بنسبة جزئية لا كلية فتعطيه من الحكم لذلك معنى يسمى التواجد ثم يخرج من ذلك النور إلى موضع الرحمة العامة التي وسعت كل شئ وهو المعبر عنه بالعرش فيجد هنالك من الحقائق الملكية إسرافيل وجبريل وميكائيل ورضوان ومالك ومن الحقائق الملكية البشرية آدم وإبراهيم ومحمد إسلام الله عليهم فيجد عند آدم وإسرافيل علم الصور الظاهرة في العالم المسماة أجساما وأجسادا وهياكل سواء كانت نورية أو غير نورية ويجد عند جبريل ومحمد ع علم الأرواح المنفوخة في هذه الصور التي عند آدم وإسرافيل فيقف على معاني ذلك كله ويرى نسبة هذه الأرواح إلى هذه الصور وتدبيرها إياها ومن أين وقع فيها التفاضل مع انبعاثها من أصل واحد وكذلك الصور علم من هذه الحضرة ذلك كله ويعلم من هذه الحضرة علم الأكاسير التي تقلب صور الأجساد بما فيه من الروح وينظر إلى ميكائيل وإبراهيم ع فيجد عندهما علم الأرزاق وما يكون به التغذي للصور والأرواح وبما ذا يكون بقاؤها ويقف على كون الإكسير غذاء مخصوصا لذلك الجسد الذي يرده ذهبا أو فضة بعد ما كان حديدا أو نحاسا وهو صحة ذلك الجسم وإزالة مرضه الذي كان قد دخل عليه في معدنه فصيره حديدا أو غير ذلك وكل هذا من هذه الحضرة يعلمه ثم ينظر إلى رضوان ومالك فيجد عندهما علم السعادة والشقاء والجنة ودرجاتها وجهنم ودركاتها وهو علم المراتب في الوعد والوعيد ويعلم حقيقة ما تعطي كل واحدة منهما وإذا علم هذا كله علم العرش وحملته وما تحت إحاطته وهو منتهى الأجسام وليس وراءه جسم مركب ذو شكل ومقدار فإذا علم هذا كله عرج به معراجا آخر معنويا في غير صورة متخيلة إلى مرتبة المقادير فيعلم منها كميات الأشياء الجسمية وأوزانها في الأجسام المقدرة من المحيط إلى التراب وما فيهن وما بينهن من أصناف العالم الذين هم عمار هذه الأمكنة ثم ينتقل إلى علم الجوهر المظلم الكل الذي لا جزء له ولا صورة فيه وهو غيب كل ما وراءه من العالم ومنه ظهرت هذه الأنوار والضياءات في عالم الأجسام وهي الأنوار المركبة سلخت من هذا الجوهر فبقي مظلما كما سلخ النهار من الليل فبانت الظلمة وهذا هو أصل الظلمة في العالم وأصل العالم في الأحكام الناموسية ثم ينتقل من هذا المقام إلى حضرة الطبيعة البسيطة فيعلم حكمها في الأجسام مطلقا من اختلاف تركيباتها وأحوالها ومن أين وقع الغلط لبعض الطبيعيين فيما غلطوا فيه من العلم بأحكامها وذلك لجهلهم بالعلم بذاتها فصاحب هذا الكشف يعلم ذلك كله ثم ينتقل من النظر في ذلك إلى شهود اللوح المحفوظ وهو الموجود الانبعاثي عن القلم وقد رقم الله فيه ما شاءه من الكوائن في العالم فيعلم هذا التالي لما في هذا اللوح علم القوتين وهما علم العلم وعلم العمل ويعلم الانفعالات الانبعاثية ومن كون هذا الروح لوحا يعلم ما سطره فيه من سماه لوحا بالقلم الإلهي مما أملاه الحق عليه وكتابته فيه نقش صور المعلومات التي يجر بها الله في العالم في الدنيا إلى يوم القيامة خاصة وهي علوم محصورة مسطرة صورا كصور الحروف المرقومة في الألواح والكتب المسماة كلمات وعدد أمهاتها ما يكون من ضرب درجات الفلك في مثلها سواء من غير زيادة ولا نقصان ومن هنا جعل الله في الفلك الذي تقطع فيه الكواكب بسباحتها ثلاثمائة درجة وستين درجة وفيها انحصرت السنة في الدار الدنيا بسباحة الشمس والقمر قال تعالى الشمس والقمر بحسبان وتتكرر بالسنين من أول وجودها وما هو تكرار على الحقيقة إلى أن ينتهي إلى قدر ما خرج من ضرب الثلثمائة والستين في مثلها من السنين يكون عمر عالم الدنيا ثم يملي أمرا آخر وعلوما تختص بالقيامة وبالموازين أيضا إلى أجل مسمى بتميز في الدارين وهو انتهاء مدة الانتقام على أهل دار الشقاء خاصة ثم يستأنف فيه كتابة العذاب في هذه الدار مع الخلود الدائم في الدارين لأهلها غير أنه لا بد مهما كانت الكتابة أن تجري إلى أجل مسمى لاستحالة دخول ما لا يتناهى في الوجود ثم ينتقل هذا التابع من هذا المقام إلى
(٢٨٢)