ووجوده فدل على أن الموجد له لو لم يكن واحدا ما صح وجود العالم هذا دليل الحق فيه على أحديته وطابق الدليل العقلي في ذلك ولو كان غير هذا من الأدلة أدل منه عليه لعدل إليه وجاء به وما عرفنا بهذا ولا بالطريق إليه في الدلالة عليه وقد تكلف قوم الدلالة عليه بطريق آخر وقدحوا في هذه الدلالة فجمعوا بين الجهل فيما نصبه الحق دليلا على أحديته وبين سوء الأدب فأما جهلهم فكونهم ما عرفوا موضح الدلالة على توحيده في هذه الآية حتى قدحوا فيه وأما سوء الأدب فمعارضتهم بما دخلوا فيها بالأمور القادحة فجعلوا نظرهم في توحيده أتم في الدلالة مما دل به الحق على أحديته وما ذهب إلى هذا إلا المتأخرون من المتكلمين الناظرين في هذا الشأن وأما المتقدمون كأبي حامد وإمام الحرمين وأبي إسحاق الأسفراييني والشيخ أبي الحسن فما عرجوا عن هذه الدلالة وسعوا في تقريرها وأبانوا عن استقامتها أدبا مع الله تعالى وعلما بموضع الدلالة منها واعلم أن الكلام في توحيد الله من كونه إلها فرع عن إثبات وجوده وهذا باب التوحيد فلا حاجة لنا في إثبات الوجود فإنه ثابت عند الذي نازعنا في توحيده وأما إثبات وجوده فمدرك بضرورة العقل لوجود ترجيح الممكن بأحد الحكمين ولنا في توحيده طريقان الطريق الواحدة أن يقال للمشرك قد اجتمعنا في العلم بأن ثم مخصصا وقد ثبت عينه وأقل ما يكون واحدا فمن زاد على الواحد فليدل عليه فعليك بالدليل على ثبوت الزائد الذي جعلته شريكا فليكن الخصم هو الذي يتكلف إثبات ذلك والطريقة الأخرى قوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا هذه مقدمة والمقدمة الأخرى السماء والأرض وأعني بهما كل ما سوى الله ما فسدتا وهذه هي المقدمة الأخرى والجامع بين المقدمتين وهو الرابط الفساد فأنتجنا أحدية المخصص وهي المطلوب وإنما قلنا ذلك لأنه لو كان ثم إله زائد على الواحد لم يخل هذا الزائد إما أن يتفقا في الإرادة أو يختلفا ولو اتفقا فليس بمحال أن يفرض الخلاف لننظر من تنفذ إرادته منهما فإن اختلفا حقيقة أو فرضا في الإرادة فلا يخلو إما أن ينفذ في الممكن حكم إرادتهما معا وهو محال لأن الممكن لا يقبل الضدين وإما أن لا ينفذ أو إما أن ينفذ حكم إرادة أحدهما دون الآخر فإن لم ينفذ حكم إرادتهما فليس واحد منهما بإله وقد وقع الترجيح فلا بد أن يكون أحدهما نافذ الإرادة وقصر الآخر عن تنفيذ إرادته فحصل العجز والإله ليس بعاجز فالإله من نفذت إرادته وهو الله الواحد لا شريك له وهكذا استدل الخليل ع في الأقوال فأعطاه النظر أن الأفول يناقض حفظ العالم فالإله لا يتصف بالأفول أو الأفول حادث لطروه على الآفل بعد أن لم يكن آفلا والإله لا يكون محلا للحوادث لبراهين أخر قريبة المأخذ وهذه الأنوار قد قبلت الأفول فليس واحد منها بإله وهذه بعينها طريقة قوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وكل دليل لا يرجع إلى هذا المعنى فلا يكون دليلا ثم قال الله تعالى في قصة إبراهيم هذه وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم ولم يكن له غير هذا فقوله حجتنا أي مثل حجتنا التي نصبناها دليلا على توحيدنا وهي قولنا لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وهذه الأدلة وأمثالها إنما المطلوب بها توحيد الله أي ما ثم إله آخر زائد على هذا الواحد وأما أحدية الذات في نفسها فلا تعرف لها ماهية حتى يحكم عليها لأنها لا تشبه شيئا من العالم ولا يشبهها شئ فلا يتعرض العاقل إلى الكلام في ذاته إلا بخبر من عنده ومع إتيان الخبر فإنا نجهل نسبة ذلك الحكم إليه لجهلنا به بل نؤمن به على ما قاله وعلى ما يعلمه فإن الدليل ما يقوم إلا على نفي التشبيه شرعا وعقلا فهذه طريقة قريبة عليها أكثر علماء النظر وأما الموحد بنور الايمان الزائد على نور العقل وهو الذي يعطي السعادة وهو نور لا يحصل عن دليل أصلا وإنما يكون عن عناية إلهية بمن وجد عنده ومتعلقة صدق المخبر فيما أخبر به عن نفسه خاصة ليس متعلق الايمان أكثر من هذا فإن كشف متعلق الخبر فبنور آخر ليس نور الايمان لكن لا يفارقه نور الايمان وذلك النور هو الذي يكشف له عن أحدية نفسه وأحدية كل موجود التي بها يتميز عن غيره سواء كانت ثم صفة يقع فيها الاشتراك أو لا يكون لا بد من أحدية تخصه يقع بها الامتياز له عن غيره فلما كشف للعبد هذا النور أحدية الموجودات علم قطعا بهذا النور ان الله تعالى له أحدية تخصه فأما أن تكون عينه فيكون أحدي الذات أحدي المرتبة وهي عينها وأما أن يكون أحدية المرتبة فيوافق الكشف الدليل النظري ويعلم قطعا أن الذات على أحدية تخصها هي عينها وهذا معنى قول أبي العتاهية
(٢٨٩)