وفي كل شئ له آية * تدل على أنه واحد وتلك الآية أحدية كل معلوم سواء كان كثيرا أو غير كثير فإن للكثرة أحدية الكثرة لا تكون لغيرها البتة والأحدية صفة تنزيه على الحقيقة فلا تكون بجعل جاعل كما يراه بعض أصحابنا فمن قال إنه وحد الواحد ويريد به ما يريد بالوحدة فليس بصحيح وإن أراد بقوله وحد الواحد ويعني به القبائل الثاني فهذا يصح وإنما الواحد من حيث عينه هو واحد لنفسه فأهل طريق الله رأوا أن التوحيد إذا ثبت أنه عين الشرك فإن الواحد لنفسه لا يكون واحدا بإثباتك إياه واحدا فما أنت أثبته بل هو ثابت لنفسه وأنت علمت أنه واحد لا أنك أثبت أنه واحد فلهذا قال من أصحابنا قوله إذ كل من وحده جاحد لأن الواحد لا يوحد لأنه لا يقبل ذلك لأنه لو قبل ذلك لكان اثنين وحدته في نفسه ووحدة الموحد التي أثبتها له فيكون واحدا بنفسه وواحدا بإثبات الوحدة له من غيره فيكون ذا وحدتين فينتفي كونه واحدا وكل أمر لا يصح إثباته إلا بنفيه فلا يكون له ثبوت أصلا فالتوحيد على الحقيقة منا له سكوت خاصة ظاهرا وباطنا فمهما تكلم أوجد وإذا أوجد أشرك والسكون صفة عدمية فيبقى توحيد الوجود له وما دخل الشرك في توحيده إلا بإيجاد الخلق لأن الخلق استدعى بحقائقه نسبا مختلفة تطلب الكثرة في الحكم وإن كانت العين واحدة فما طرأت الآفة في التوحيد إلا من الإيجاد فالتوحيد جنى على نفسه لم تجن عليه الموجودات وهذا هو علم التوحيد الوهبي الذي لا يدرك بالنظر الفكري وكل توحيد يعطيه النظر الفكري هو كسبي عند الطائفة واعلم أن الشرع ما تعرض لأحدية الذات في نفسها بشئ وإنما نص على توحيد الألوهية وأحديتها بأنه لا إله إلا هو وإنما ذلك من فضول العقل لأن العقل عنده فضول كثير أداه إليه حكم الفكر عليه وجميع القوي التي في الإنسان فلا شئ أكثر تقليدا من العقل وهو يتخيل أنه صاحب دليل إلهي وإنما هو صاحب دليل فكري فإن دليل الفكر يمشي به حيث يريد والعقل كالأعمى بل هو أعمى عن طريق الحق فأهل الله لم يقلدوا أفكارهم فإن المخلوق لا يقلد المخلوق فجنحوا إلى تقليد الله فعرفوا الله بالله فهو بحسب ما قال عن نفسه ما هو بحسب ما حكم فضول العقل عليه وكيف ينبغي للعاقل أن يقلد القوة المفكرة وهو يقسم النظر الفكري إلى صحيح وإلى فاسد ولا بد له أن يحتاج إلى فارق بين صحيحه وفاسده ومحال أن يفرق بين صحيح النظر الفكر وفاسده بالنظر الفكري فلا بد أن يحتاج إلى الله في ذلك فالذي نلجأ إليه في تمييز النظر الفكري صحيحه من فاسده حتى نحكم به نلجأ إليه ابتداء في أن يعطينا العلم بذلك المطلوب من غير استعمال فكر وعليه عولت الطائفة وعملت به وهو علم الأنبياء والرسل وأولي العلم من أهل الله ولم تتعد بأفكارها محالها وعلمت أن غايتها في الإدراك الصحيح في زعمها أن تبنى أدلتها على الأمور الحسية والبديهية وقد حكمت بغلط الحس ابتداء في أشياء وبالقدح في البديهيات ثم رجعت تأخذها مصادرة لتعذر الدلالة عليها فالرجوع إلى الله أولى في الأمور كلها كما قال وإليه يرجع الأمر كله وهذا من جملة الأمر فلا علم إلا العلم المأخوذ عن الله فهو العالم سبحانه وحده والمعلم الذي لا يدخل على المتعلم منه فيما يأخذه عنه شبهة ونحن المقلدون له والذي عنده حق فنحن في تقليدنا إياه فيما أعلمنا به أولى باسم العلماء من أصحاب النظر الفكري الذين قلدوه فيما أعطاهم لا جرم أنهم لا يزالون مختلفين في العلم بالله والأنبياء مع كثرتهم وتباعد ما بينهم من الأعصار لا خلاف عندهم في العلم بالله لأنهم أخذوه عن الله وكذلك أهل الله وخاصته فالمتأخر يصدق المتقدم ويشد بعضهم بعضا ولو لم يكن ثم إلا هذا لكفى ووجب الأخذ عنهم وهذا الباب أعني باب التوحيد يعطي المناسبة من وجه وقد قال بذلك جماعة من أهل الله كأبي حامد وغيره من شيوخنا ولا يعطي المناسبة من وجه وقد قال به جماعة من أصحابنا كأبي العباس بن العريف الصنهاجي ونفوا المناسبة جملة والذي أذهب إليه وأقول به على ما أصلناه أولا أن لا نقلد في علمنا بالله وبغير الله إلا الله فنحن بحسب ما يلقى إلينا في حق نفسه فإن خاطبنا بالمناسبة قلنا بها حيث خاطبنا لا نتعدى ذلك الموضع ونقتصر عليه وإن خاطبنا برفع المناسبة رفعناها في ذلك الموطن الذي رفعها فيه لا نتعداه فيكون الحكم له لا لنا فلا نزال نصيب أبدا ولا نخطئ وهو المعبر عنه بالعصمة في حق الأنبياء ع والحفظ في حق الأولياء ومتى ما لم يخبر عن الله فالإصابة إذا حصلت منه للحق اتفاقية بالنظر إليه مقصودة بالنظر إلى الحق هذا هو الذي نعتمد عليه فقوله ليس
(٢٩٠)