مشاهدة القلم الأعلى فيحصل له من هذا المشهد علم الولاية ومن هنالك هو ابتداء مرتبة الخلافة والنيابة ومن هناك دونت الدواوين وظهر سلطان الاسم المدبر والمفصل وهو قوله يدبر الأمر يفصل الآيات وهذا هو علم القلم ويشاهد تحريك اليمنى إياه التحريك المعنوي اللطيف ومن أين يستمد وأنه من ذاته له علم الإجمال والتفصيل والتفصيل يظهر بالتسطير وهو عين ذواته فلا افتقار له إلى معلم يستمد منه سوى خالقه عز وجل وكتابته نقش ولهذا تثبت فلا تقبل المحو وبهذا سمي اللوح بالمحفوظ يعني عن المحو فلو كانت كتابته مثل الكتابة بالمداد قبلت المحو كما يقبله لوح المحو في عالم الكون بالقلم المختص به الذي هو بين أصبعي الرحمن فيفرق من هذا المشهد بين الأقلام والألواح وأنواع الكتبة ويعلم علم الأحكام والإحكام ومن هنا يعلم أنه لم يبق في الإمكان ما ينبغي أن يكون دليلا على الله إلا وقد ظهر من كونه دليلا وإن كثرت الأدلة فيجمعها كمالية الدلالة خاصة ثم ينظر عن يمين هذا المشهد فينظر إلى عالم الهيمان وهو العالم المخلوق من العماء ثم ينتقل إلى العماء وهو مستوي الاسم الرب كما كان العرش مستوي الرحمن والعماء هو أول الأينيات ومنه ظهرت الظروف المكانيات والمراتب فيمن لم يقبل المكان وقبل المكانة ومنه ظهرت المحال القابلة للمعاني الجسمانية حسا وخيالا وهو موجود شريف الحق معناه وهو الحق المخلوق به كل موجود سوى الله وهو المعنى الذي ثبتت فيه واستقرت أعيان الممكنات ويقبل حقيقة الأين وظرفية المكان ورتبة المكانة واسم المحل ومن عالم الأرض إلى هذا العماء ليس فيها من أسماء الله سوى أسماء الأفعال خاصة ليس لغيرها أثر في كون مما بينهما من العالم المعقول والمحسوس غير إن صاحب التابع الذي هو صاحب النظر لما تركه صاحبه بالسماء السابعة ورحل عنه امتدت منه رقيقة على غير معراج التابع ظهرت للتابع في الفلك المكوكب وفقدها في الجنة ثم ظهرت له في فلك البروج ثم فقدها أيضا في الكرسي وفي العرش ثم ظهر له في مرتبة المقادير وفي الجوهر المظلم ثم فقده في الطبيعة ثم ظهر له في النفس من جهة كونها نفسا لا من جهة كونها لوحا ثم ظهر له في العقل الإبداعي من كونه عقلا لا من كونه قلما ثم فارقه بعد ذلك فلم ير له عينا ومن هذا العماء يبتدئ بالترقي والمعراج في أسماء التنزيه إلى أن يصل إلى الحضرة التي يشهد فيها إن التنزيه يحده ويشير إليه ويقيده ويستشرف على العالم بأسره المعنوي والروحاني والجسمي والجسماني فلا يجد في مشهده ذلك ما ينبغي أن ينزه عنه من ظهر فيه ويرى ارتباطه به ارتباط المرتبة بصاحبها فلا يتمكن له التنزيه الذي كان يتخيله ولا يتمكن له التشبيه فإنه ليس ثم بمن فما ثم إلا الله لا شئ غيره * وما ثم إلا وحدة الوحدات ثم فارق أسماء الأفعال وتسلمته أسماء التنزيه فرأى صاحبه صاحب النظر يوافقه إلى أن وصل إلى الحضرة التي لا تقبل التنزيه ولا التشبيه فيتنزه عن الحد بنفي التنزيه وعن المقدار بنفي التشبيه فيفقد رفيقه صاحب النظر هنالك ثم ينقلب يطلب ما منه خرج فسلك به الحق تعالى طريقا غير طريقه الأولى وهو طريق لا يتمكن أن ينقال ولا يعرفه إلا من شاهده ذوقا ورجع صاحبه على معراجه ذلك إذ لم يكن تابعا إلى أن وصل إلى جسده فاجتمع مع رفيقه فبادر من حينه صاحب النظر إلى الرسول إن كان حاضرا أو لوارثه فيبايعه بيعة الايمان والرضوان على بينة من ربه وآية من نفسه وتلاه شاهد منه وهو التابع فآمن بالله من حيث ما شرع له الايمان به لا من حيث دليله فوجد عنده وفي قلبه نورا لم يكن يجده قبل ذلك فرأى في اللمحة الواحدة وهو في مكانه بذلك النور جميع ما رآه مع التابع في معراجه الأول ولم يقف بل ترقي مرقى التابع حتى بلغ العماء والغاية القصوى ورأى الشئ في الأشياء ورأى وجوب وجود ما أحال وجوده فكرة وعقلا وهو في مكانه ذلك لم يبرح وأعطى إكسير التكوين ورأى حشر الأجساد من طور إلى طور باختلاف حكم ولاختلاف دور فتغيرت الأشكال وتقلبت الأحوال ورأى ما قلناه في مثل ذلك إذا السماء انفطرت * حقيقة تصورت * فمن لها بها لها * إذا النجوم انكدرت تطلب بانكدارها * جبال صخر سيرت * تنظر في تسييرها * جحيم نار سعرت سعرها موقدها * لجنة قد أزلفت * يدخلها طائفة * من قبرها قد بعثرت قلت لها ما تبتغي * قالت وحوش حشرت * وإن ترى نفسي * ما قد قدمت وأخرت
(٢٨٣)