الفقر أمر يعم الكون أجمعه * عينا وحكما ولكن ليس ينطلق إلا على ممكن أسماء خالقه * تبغيه فهي لهذا الأمر تستبق إن القوي بالاستعداد قوته * مثل الضعيف ففي الأحكام تتفق إن الحقائق تجري في ميادنها * وكل حق له في نفسه طلق إن الفقير الذي استولت خصاصته * عليه في كل شئ ثوبه خلق في كل حال من الأحوال تبصره * كأنه طبق من فوقه طبق وليس يمنعه عن عين موجده * على طريقته الآفات والعلق (ومن ذلك) الفقر حكم ولكن ليس يدركه * إلا الذي جل عن أهل وعن ولد الفقر حكم يعم الكون أجمعه * ولا أحاشي من الأعيان من أحد لأنها كلها بالذات تطلبه * والفقر يطلبها بالذات في البلد فكلها عدد لأنها عدد * والكل شفع سوى المدعو بالأحد وما سواه من الأعيان فهو كما * قلناه كالواهب المحسان والصمد سبحانه جل أن يحظى به أحد * فلا يولد في عقل وفي جسد قال الله تعالى يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد يعني بأسمائه كما نحن فقراء إلى أسمائه ولذلك أتى بالاسم الجامع للأسماء الإلهية حقيقة سره لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء فلو اتصفوا اتصفوا بحقيقة سنكتب ما قالوا سببه وأقرضوا الله نزاهته قرضا حسنا بيانه ودليله الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه جزاؤه وما تفعلوا من خير فلن تكفروه وباب الفقر ليس فيه ازدحام لاتساعه وعموم حكمه والفقر صفة مهجورة وما يخلو عنها أحد وهي في كل فقير بحسب ما تعطيه حقيقته وهي ألذ ما ينالها العارف فإنها تدخله على الحق ويقبله الحق لأنه دعاه بها والدعاء طلب وتقرب منها أختها وهي الذلة قال أبو يزيد قال لي الحق تقرب إلي بما ليس لي الذلة والافتقار فذله وحجبه فهاتان صفتان في اللسان نعتان للممكنات ليس لواجب الوجود منهما نعت في اللسان تعالى الله حجاب مسدل وباب مقفل مفتاحه معلق عليه يراه البصير ولا يحس به الأعمى قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب وفي هذه الآية أعني آية قوله أنتم الفقراء إلى الله تسمى الحق لنا باسم كل ما يفتقر إليه غيرة منه أن يفتقر إلى غيره فالفقير هو الذي يفتقر إلى كل شئ ولا يفتقر إليه شئ وهذا هو العبد المحض عند المحققين فتكون حاله في شيئية وجوده كحاله في شيئية عدمه دواء نافع لداء عضال قوله وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا قضية في عين قضية عامة أو لا يذكر الإنسان إنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا تنبيه على شرف الرتبة هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا مع وجود عينه لأن الحين الدهري أتى عليه فالفقر احتياج ذاتي من غير تعيين حاجة لجهله بالأصلح له ومن أسماء الله المانع وهو قد أعطى كل شئ خلقه حتى الغرض لما خلقه فينا أعطاه خلقه فلإنزال أصحاب أغراض فما يمنع إلا للمصلحة كما يملي لقوم ليزدادوا إثما فقد أعطاهم الإثم كما أعطى الإثم خلقه فالحق لا يتقيد إنعامه والقوابل تقبل بحسب استعداداتها فمنعه عطاء لعلمه بالمصالح لذلك حكي عن بعضهم أنه سئل عن الفقير ما هو فقال من ليست له إلى الله حاجة يعني على التعيين ونبه أن الاحتياج له ذاتي والله قد أعطى كل شئ خلقه فقد أعطاك ما فيه المصلحة لك لو علمت فما بقي لصاحب هذا المقام ما يسأل الله فيه وما شرع السؤال إلا لمن ليس له هذا الشهود ورآه يسأل الأغيار فغار فشرع له أن يسأله ولما سبق في علمه أنه يخلق قوما ويخلق فيهم السؤال إلى الأغيار ويحجبهم عن العلم به أنه المسؤول في كل عين مسؤولة يفتقر إليها من جماد ونبات وحيوان وملك وغير ذلك من المخلوقات أخبرنا أن الناس فقراء إلى الله أي هو المسؤول على الحقيقة فإنه بيده ملكوت كل شئ فالفقر إلى الله هو الأصل فالعلماء بالله هم الذين يحفظون أحوالهم (وصل) الغني بالله فقير إليه فالنسبة بلفظ الفقر إلى الله أولى من النسبة بالغنى لأن الغني نعت ذاتي يرفع المناسبة بين ذات الحق والخلق
(٢٦٣)