القياس مثله إذا كان جليا لا يرتاب فيه وعندنا وإن لم نقل به في حقي فإني أجيز الحكم به لمن أداه اجتهاده إلى إثباته أخطأ في ذلك أو أصاب فإن الشارع أثبت حكم المجتهد وإن أخطأ وأنه ما جور فلو لا أن المجتهد استند إلى دليل في إثبات القياس من كتاب أو سنة أو إجماع أو من كل أصل منها لما حل له أن يحكم به بل ربما يكون في حكم النظر عند المنصف القياس الجلي أقوى في الدلالة على الحكم من خبر الواحد الصحيح فإنا إنما نأخذه بحسن الظن برواته ولا نزكيه علما على الله فإن الشرع منعنا أن نزكي على الله أحدا ولنقل أظنه كذا وأحسبه كذا والقياس الجلي يشاركنا فيه النظر الصحيح العقلي وقد كنا أثبتنا بالنظر العقلي الذي أمرنا به شرعا في قوله أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة وفي القرآن من مثل هذا كثير فقد اعتبر الشارع حكم النظر العقلي في إثبات وجود الله أو لا وهو الركن الأعظم ثم اعتبره في توحيده في ألوهته فكلفنا النظر في أنه لا إله إلا الله بعقولنا ثم نظرنا بالدليل العقلي ما يجب لهذا الإله من الأحكام ثم نظرنا بالنظر العقلي الذي أمرنا به في تصديق ما جاء به هذا الرسول من عنده إذ كان بشرا مثلنا فنظرنا بالعقول في آياته وما نصبه دليلا على صدقه فأثبتناه وهذه كلها أصول لو انهد ركن منها بطلت الشرائع ومستند ثبوتها النظر العقلي واعتبره الشرع وأمر به عباده والقياس نظر عقلي أترى الحق يبيحه في هذه المهمات والأركان العظيمة ويحجزه علينا في مسألة فرعية ما وجدنا لها ذكرا في كتاب ولا سنة ولا إجماع ونحن نقطع أنه لا بد فيها من حكم إلهي مشروع وقد انسدت الطرق فلجأنا إلى الأصل وهو النظر العقلي واتخذنا قواعد إثبات هذا الأصل كتابا وسنة فنظرنا في ذلك فأثبتنا القياس أصلا من أصول أدلة الأحكام بهذا القدر من النظر العقلي حيث كان له حكم في الأصول فقسنا مسكوتا عنه على منطوق به لعلة معقولة لا يبعد أن تكون مقصودة للشارع تجمع بينهما في مواضع الضرورة إذا لم نجد فيه نصا معينا فهذا مذهبنا في هذه المسألة وكل من خطأ عندي مثبت القياس أصلا أو خطأ مجتهدا في فرع كان أو في أصل فقد أساء الأدب على الشارع حيث أثبت حكمه والشارع لا يثبت الباطل فلا بد أن يكون حقا ويكون نسبة الخطاء إلى ذلك نسبة أنه أخطأ دليل المخالف الذي لم يصح عند المجتهد أن يكون ذلك دليلا والمخطئ في الشرع واحد لا بعينه فلا بد من الأخذ بقوله ومن قوله إثبات القياس فقد أمر الشارع بالأخذ به وإن كان خطأ في نفس الأمر فقد تعبده به فإن للشارع أن يتعبد بما شاء عباده وهذه طريقة انفردنا بها في علمنا مع أنا لا نقول بالقياس بالنظر إلينا ونقول به بالنظر لمن أداه إليه اجتهاده لكون الشارع أثبته فلو أنصف المخالف لسكت عن النزاع في هذه المسألة فإنها أوضح من أن ينازع فيها والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ثم نبين في هذا الباب ما يتعلق بأصول الأحكام عند علماء الإسلام كما علمنا في العبادات وكان الأولى تقديم هذا الباب في أول العبادات قبل الشروع فيها ولكن هكذا وقع فإنا ما قصدنا هذا الترتيب عن اختيار ولو كان عن نظر فكري لم يكن هذا موضعه في ترتيب الحكمة فأشبه آية قوله حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى بين آيات طلاق ونكاح وعدة وفاة يتقدمها ويتأخرها فيعطي الظاهر أن ذلك ليس موضعها وقد جعل الله ذلك موضعها لعلمه بما ينبغي في الأشياء فإن الحكيم من يعمل ما ينبغي لما ينبغي كما ينبغي وإن جهلنا نحن صورة ما ينبغي في ذلك فالله تعالى رتب على يدنا هذا الترتيب فتركناه ولم ندخل فيه برأينا ولا بعقولنا فالله يملي على القلوب بالإلهام جميع ما يسطره العالم في الوجود فإن العالم كتاب مسطور إلهي وإذا تعارض آيتان أو خبران صحيحان وأمكن الجمع بينهما واستعمالهما معا فلا نعدل عن استعمالهما فإن لم يمكن استعمالهما معا بحيث أن يكون في أحدهما استثناء فيجب أن يؤخذ بالذي فيه الاستثناء وإن كان في أحدهما زيادة أخذت الزيادة وعمل بها فإن لم يوجد شئ من ذلك وتعارضا من جميع الوجوه فينظر إلى التاريخ فيؤخذ بالمتأخر منهما فإن جهل التاريخ وعسر العلم به فلينظر إلى أقربهما إلى رفع الحرج في الدين فيعمل به لأنه يعضده ما عليكم في الدين من حرج ودين الله يسر ويريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فدعوه فإن تساويا في رفع الحرج فلا يسقطان وتكون مخيرا فيهما تعمل بأي الخبرين شئت أو الآيتين وإذا تعارض آية وخبر صحيح من جميع الوجوه من أخبار الآحاد وجهل التاريخ أخذ بالآية وتركنا الخبر فإن الآية مقطوع بها وخبر الواحد مظنون فإن
(١٦٣)