الله بالرأي وهو القول بغير حجة ولا برهان لا من كتاب ولا من سنة ولا من إجماع وإن كنا لا نقول بالقياس فلا نخطئ مثبته إذا كانت العلة الجامعة معقولة جلية يغلب على الظن أنها مقصودة للشارع وإنما امتنعنا نحن من الأخذ بالقياس لأنه زيادة في الحكم وفهمنا من الشارع أنه يريد التخفيف عن هذه الأمة وكان يقول اتركوني ما تركتكم وكان يكره المسائل خوفا أن ينزل عليهم في ذلك حكم فلا يقومون به كقيام رمضان والحج في كل سنة وغير ذلك فلما رأيناه على ذلك منعنا القياس في الدين فإن النبي ص ما أمر به ولا أمر به الحق تعالى فتعين علينا تركه فإنه مما يكرهه ص وحكم الأصل أن لا تكليف وأن الله خلق لنا ما في الأرض جميعا فمن ادعى التحجير علينا فعليه بالدليل من كتاب أو سنة أو إجماع وأما القياس فلا أقول به ولا أقلد فيه جملة واحدة وأما أفعال النبي ص فليست على الوجوب فإن في ذلك غاية الحرج إلا فعل بين به أمرا تعبدنا به فذلك الفعل واجب مثل قوله صلوا كما رأيتموني أصلي وخذوا عني مناسككم وأفعال الحج ولولا نطقه في ذلك في بعض الأفعال لم يكن يلزمنا ذلك الفعل فإنه بشر يتحرك كما يتحرك البشر ويرضى كما يرضى البشر ويغضب كما يغضب البشر فلا يلزمنا اتباعه في أفعاله إلا أن أمر بذلك وتعين عليه أن لا يفعل فعلا سرا بحيث لا يراه أحدكما تعين عليه فيما أمر بتبليغه أن لا يتكلم به وحده بحيث لا يسمعه أحد حتى ينقله إلى من لم يسمعه وأما شرع من قبلنا فما يلزمنا اتباعه إلا ما قرر شرعنا منه مع كون ذلك شرعا حقا لمن خوطب به لا نقول فيه بالباطل بل نؤمن بالله ورسوله وما أنزل إليه وما أنزل من قبله من كتاب وشرع منزل والتقليد في دين الله لا يجوز عندنا لا تقليد حي ولا ميت ويتعين على السائل إذا سأل العالم أن يقول له أريد حكم الله أو حكم رسوله في هذه المسألة فإن قال له المسؤول هذا حكم الله في المسألة أو حكم رسوله تعين عليه الأخذ بها فإن المسؤول هنا ناقل حكم الله وحكم رسوله الذي أمرنا بالأخذ به فإن قال هذا رأيي أو هذا حكم رأيته أو ما عندي في هذه المسألة حكم منطوق به ولكن القياس يعطي أن يكون الحكم فيه مثل الحكم في المسألة الفلانية المنطوق بحكمها لم يجز للسائل أن يأخذ بقوله ويبحث عن أهل الذكر فيسألهم على صفة ما قلنا ويتعين على كل مسلم أن لا يسأل إلا أهل الذكر وهم أهل القرآن قال تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وأهل الحديث فإن علم السائل أن هذا المسؤول صاحب رأى وقياس فيتركه ويسأل صاحب الحديث فإن كان المسؤول صاحب رأى وقياس وحديث فيسأله فإذا أفتاه تعين عليه أن يقول له هذا الحكم رأى أو قياس أو عن حديث فإن قال عن رأى أو قياس تركه وإن قال عن خبر أخذ به ولا حكم للخطأ والنسيان إلا حيث جاء في قرآن أو سنة أن يكون لهما حكم فيعمل به مثل صلاة الناسي وقتل الخطاء وكل مسكوت عنه فلا حكم فيه إلا الإباحة الأصلية وخطاب الشرع متوجه على الأسماء والأحوال لا على الأعيان فلا يكون حكم الفرض إلا على من حاله قبول الفرض من أمر ونهي في عمل أو ترك فكل من عجز عن شئ من ذلك مما كلفه الله به بل ما هو مخاطب به إن الله ما كلف نفسا إلا وسعها وإلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا وكل عمل مقيد بوقت موسعا كان أو مضيقا فلا يجوز عمله إلا في وقته لا قبله ولا بعده فإن ذلك حد الله المشروع فيه فلا يتعدى وحكم الاجتهاد في الأصول والفروع واحد والحق في الفروع حيث قرره الشرع وقد قرر حكم المجتهدين ولا يقرر إلا ما هو حق فكله حق وأما نسبة الخطاء إلى المجتهد الذي له أجر واحد فهو كونه لم يعثر على حكم الله أو حكم رسوله في تلك المسألة وقد تعبده الله بما انتهى إليه اجتهاده فلو لم يكن حقا عند الله بالنظر إليه لما تعبده به فإن الله لا يقر الباطل فإذا وصل إليه بعد ذلك حكم الله تعالى أو رسوله في تلك المسألة بما يخالف دليله وعلم أن ذلك الحكم متأخر عن حكم دليله وجب عليه الرجوع عن ذلك الحكم الأول ولا يحل له البقاء عليه ولهذا كان من علم مالك بن أنس ودينه وورعه أنه إذا سئل عن مسألة في دين الله يقول نزلت فإن قيل له نعم أفتى وإن قيل لم تنزل لم يفت وسببه ما ذكرنا لأن المصيب للحكم المعين في تلك المسألة واحد لا بعينه والمخطئ واحد لا بعينه ولهذا قالت العلماء كل مجتهد مصيب فأما مصيب للحكم الإلهي فيها على التعيين أو مصيب للحكم المقرر الذي أثبته الله له إذا لم يعثر على ذلك الحكم المعين وأخطأه وهذا القدر كاف في أصول أحكام الشرع في هذا الكتاب لأنه لا يحتمل الاستقصاء وأما أسرار أصول أحكام الشرع المتفق عليها والمختلف فيها فإن سر الكتاب هو ما يكون من الله للعبد
(١٦٥)