اتبعوا فكان ص أعظم مجلي إلا هي علم به علم الأولين والآخرين ومن الأولين علم آدم بالأسماء وأوتي محمد ص جوامع الكلم وكلمات الله لا تنفد وله السيادة التي لا تبعد على الناس يوم القيامة فيشفع في الشافعين أن يشفعوا من ملك ورسول ونبي وولي ومؤمن وله المقام المحمود في اليوم المشهود وأما اختياره مريم وآسية فهو إلحاقهما بالكمال الذي للرجال مع وجود الدرجة التي للرجال عليهن فإن تلك الدرجة وجودية فلا تزول وأما اختياره السدرة فلأنها موضع انتهاء أعمال العباد وموضع الفضل وبظلها تستظل صور الأعمال وغشاها الله من الأنوار ما غشي ألا إن تلك الأنوار أنوار الأعمال فلا يستطيع أحد أن ينعتها وتلك الأنوار كما قلنا أنوار الأعمال تنبعث من صورها فتغشاها فلا يستطيع أحد أن ينعتها فإن النعت للأشياء تقييد وتمييز والأعمال تختلف ولها مراتب وأنوارها على قدر مراتبها فعال وأعلى ومضئ وأضوأ ونعت العالي يناقض الأعلى ونعت المضئ يقابل الأضواء من حيث ما هو أضوأ فلا يتقيد بنعت لأنك إن قيدتها بنعت أبطله لك نقيضه فما وفيتها حقها في النعتية إذ لم تكن أنوار الأعمال على درجة واحدة وقد غشيتها هذه الأنوار وغطتها فلا يقدر أحد يصل إلى نعتها فهم وإن استظلوا بها فقد كسوها من ملابس الأنوار ما فضلت به جميع الأشجار وهي طعام وغاسول ونبقها كالقلال منه ترزق أرواح الشهداء وأما اختياره البيت المعمور فلأنه مخصوص بعمارة ملائكة يخلقون كل يوم من قطرات ماء نهر الحياة الواقعة من انتفاض الروح الأمين فإنه ينغمس في نهر الحياة كل يوم غمسة لأجل خلق هؤلاء الملائكة عمرة البيت المعمور وهم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لا يعودون إليه أبدا وبقي السر في المكان الذي يعمرونه هؤلاء الملائكة وما ثم خلاء والعالم كله قد ملأ الخلا فابحث عليه فإنه علم جليل يوقفك على علم استحالات الأعيان في الأعيان وتقلب الخلق في الأطوار فتعلم أن الله على كل شئ قدير لا على ما ليس بشئ فإن لا شئ لا يقبل الشيئية إذ لو قبلها ما كانت حقيقته لا شئ ولا يخرج معلوم عن حقيقته فلا شئ محكوم عليه بأنه لا شئ أبدا وما هو شئ فمحكوم عليه بأنه شئ أبدا وأما اختياره الحجر الأسود فلأنه أنزله ليقيمه مقام يمينه في البيعة الإلهية إذ لم يكن في المعارف والعبادات أعظم ملازمة لما عرف ولما تعبد به من العبادات فإنها فطرت على المعرفة والعبادة المحضة التي عجزت عنها حقيقة النبات والحيوان ولهذا ليس شئ منه في الإنسان جملة واحدة فإن جميع ما في الإنسان يقبل النمو وهو للنبات كما إن الحيوان له التصرف في الجهات فكلما فارق موجود المعدن التبس بصورة الدعوى بحقيقته فهي منازعة خفية لا يشعر بها كل عالم وقد نبه على بعض ذلك سهل وما وفي الأمر فيها ما هو عليه فلا أدري هل علم واكتفى بما ذكر أو ما أطلعه الله في ذلك الوقت على أكثر مما ذكر والله أعلم فاختاره الله يمينا وأما اختياره من الإنسان القلب وهو الذي وسعه لأنه كل يوم في شأن واليوم قدر نفس المتنفس في الزمان الفرد وبه سمي قلبا لتقلبه ألا تراه بين أصبعي الرحمن فما يقلبه إلا الرحمن ليس لغيره من الأسماء معه فيه دخول ولا يعطي الاسم الرحمن إلا ما في حقيقته فرحمته وسعت كل شئ فما من أمر تراه في تقلبه مما يؤدي إلى عناء وعذاب وشقاء إلا وفيه رحمة خفية لأنه بأصابع الرحمن يقلب فإن شاء أقامه وإن شاء أزاغه عن تلك الإقامة فهو ميل إضافي فمال القلب إلى الرحمة بحكم سلطان هذا الاسم الذي قلبه في الزيغ كما قلبه في الإقامة فهي بشرى من الله إلى عباده فيا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم وما ذكر سرفا من سرف فعم جميع حالات المسرفين في السرف لا تقنطوا من رحمة الله فإن الذي أزاغكم أصبع الرحمن إن الله يغفر الذنوب جميعا وهو خبر لا يدخله النسخ فيجمع بين قوله هذا وبين قوله إن الله لا يغفر أن يشرك به فيؤاخذ على الشرك ما شاء الله ثم يحكم عليه أصبع الرحمن فيؤل إلى الرحمن وأمور أخر من الزيغ مما دون الشرك يغفر منها ما يغفر بعد العقوبة وهم أهل الكبائر الذين يخرجون من النار بالشفاعة بعد ما رجعوا حمما مع كونهم ليسوا بمشركين والايمان بذلك واجب ومنها ما يغفر ابتداء من غير عقوبة فلا بد من المال إلى الرحمة وأما اختياره من الأكوان الاجتماع فإنه يعطي الافتراق بالتمييز في عين الجمع فلا بد من رب ومربوب ومن قادر ومقدور فالجمع مختار لا بد منه لما تعطيه حقائق الأسماء الإلهية من التعلق وأما اختياره من الألوان البياض فلأن الملونات كلها تستحيل إليه ولا يستحيل إليها بل بياضيته كامنة فيه مستورة لحجاب اللون الذي يظهر في العين
(١٧١)