وسائر الصفات فكذلك أم الكتاب ألحق الله بها جميع الكتب والصحف المنزلة على الأنبياء نواب محمد صلى الله عليه وسلم فادخرها له ولهذه الأمة ليتميز على الأنبياء بالتقدم وأنه الإمام الأكبر وأمته التي ظهر فيها خير أمة أخرجت للناس لظهوره بصورته فيهم وكذلك القرن الذي ظهر فيهم خير القرون لظهوره فيه بنفسه وقبل ذلك وبعده بشرعه فمن جمعية هذه الأمة أن جعل الله لأوليائها حظا في نعوت أهل البعد عن الله بطريق القربة فيقع الاشتراك في اللفظ والمعنى ويتغير المصرف كما قلنا في الحرص إنه مذموم فإذا حرصنا في طلب العلم والتقرب به إلى الله كان محمودا وهو بإطلاق اللفظ مذموم فإنه ما يستعمل مطلقا إلا في مذموم فإذا أريد به الحمد قيد فقيل حريص على الخير وهكذا الحسد يتعوذ منه مطلقا من غير تقييد فإنه بالإطلاق للذم ويستعمل في المحمود بالتقييد فلهذا جمع الله لأولياء هذه الأمة النظر في مثل هذا فحصلوا حظوظهم من أسماء الذم في الإطلاق حتى لا يفوتهم شئ إذ كانوا الجامعين للمقامات كلها فلهم في كل أمر شرب وحظ إذا جاء نعت أي نعت فرضته * لنا فيه حظ وافر ثم مشرب سواء يكون النعت في ذم حالة * وفي حمدها فالكل للقوم مطلب ألست ترى أوصافه في نعوتنا * وأوصافنا نعت له لا يكذب له فرح في حالة وتبشش * إلى ملل قد جاءنا وتعجب وهزء نسيانه له وتردد * ومكر وكيد كل ذاك مرتب كما كان للعبد الجلال ومجده * وعز وتعظيم لديه مرغب وهذا من أوصاف الإله فدبروا * كلامي الذي قد قلت فيه وطنبوا كذلك نعتي الأولياء مدحتهم * بما ذم عرفا في الأنام فنقبوا فمن أنكر العلم الذي قد شرحته * فليس هو الشخص العليم المقرب فمنهم الحاسدون قال عليه السلام لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله علما فهو يبثه في الناس ورجل آتاه الله ما لا فهو ينفقه في سبيل البر فقام أهل النفوس الآبية التي تأبى الرذائل وتحب الفضائل وجماع الخير فقالوا لا ينبغي الحسد إلا في معالي الأمور وأعلى الأمور ما تعرف إلا بأربابها ورب الأرباب وذو الصفات العلى والأسماء الحسنى هو الله فيقال نتشبه به في التخلق بأسمائه ففعلوا وبالغوا واجتهدوا إلى أن صاروا يقولون للشئ كن فيكون وذلك أقصى المراتب التي تمدح الله بها فلو لا الحسد ما تعمل القوم في تحصيل هذا المقام ومنهم الساحرون السحر بالإطلاق صفة مذمومة وحظ الأولياء منها ما أطلعهم الله عليه من علم الحروف وهو علم الأولياء فيتعلمون ما أودع الله في الحروف والأسماء من الخواص العجيبة التي تنفعل عنها الأشياء لهم في عالم الحقيقة والخيال فهو وإن كان مذموما بالإطلاق فهو محمود بالتقييد وهو من باب الكرامات وخرق العوائد ولكن لا يسمون سحرة مع أنه يشاهد منهم خرق العوائد فسمى ذلك في حقهم كرامة وهو عين السحر عند العلماء فقد كان سحرة موسى ما زال عنهم علم السحر مع كونهم آمنوا برب موسى وهارون ودخلوا في دين الله وآثروا الآخرة على الدنيا ورضوا بعذاب الله على يد فرعون مع كونهم يعلمون السحر ويسمى عندنا علم السيمياء مشتق من السمة وهي العلامة أي علم العلامات التي نصبت على ما تعطيه من الانفعالات من جمع حروف وتركيب أسماء وكلمات فمن الناس من يعطي ذلك كله في بسم الله وحده فيقوم له ذلك مقام جميع الأسماء كلها وتنزل من هذا العبد منزلة كن وهي آية من فاتحة الكتاب ومن هناك تفعل لا من بسملة سائر السور وما عند أكثر الناس من ذلك خبر والبسملة التي تنفعل عنها الكائنات على الإطلاق هي بسملة الفاتحة وأما بسملة سائر السور فهي لأمور خاصة وقد لقينا فاطمة بنت مثنى وكانت من أكابر الصالحين تتصرف في العالم ويظهر عنها من خرق العوائد بفاتحة الكتاب خاصة كل شئ رأيت ذلك منها وكانت تتخيل أن تلك يعرفه كل أحد وكانت تقول لي العجب ممن يعتاص عليه شئ وعنده فاتحة الكتاب لأي شئ لا يقرؤها فيكون له ما يريد ما هذا إلا حرمان بين وخدمتها وانتفعت
(١٣٥)