منتقى الأصول - تقرير بحث الروحاني ، للحكيم - ج ٧ - الصفحة ١٩٤
الجهة العاشرة (1): في تحقيق جريان قاعدة الفراغ لو كان منشأ الشك هو
(1) تحقيق الكلام في جريان قاعدة التجاوز أو الفراغ عند الشك في الشرط ان يقال ان الشرط على أقسام:
ما يكون شرطا مقوما للمأمور به عقلا بحيث يتقوم به صدق عنوان المأمور به كقصد الصلاتية في تحقق عنوان الصلاة وقصد الظهرية في تحقق عنوان الظهر.
وما يكون شرطا مقوما للجزء كقصد الركوع في تحقق الركوع إذ ليس كل انحناء ركوع بل الانحناء الركوعي هو المأتي بعنوان الركوع وكالموالاة بين الحروف في تحقق الكلمة.
وما يكون شرطا شرعيا للكل كالاستقبال بالنسبة إلى الصلاة وما يكون شرطا شرعيا للجزء كالجهر بالنسبة إلى القراءة اما الشرط المقوم عقلا للمأمور به كالنية فقد التزم البعض بجريان قاعدة التجاوز فيه إذا تحققت شرائطها وذهب البعض إلى عدم جريانها فيه كما يظهر من مراجعة الفرع الأول من فروع العلم الاجمالي من العروة وما كتب حوله.
والتحقيق ان متعلق الامر هو عنوان الصلاة أو الظهر وقصد الصلاتية أو الظهرية محقق لعنوان المأمور به من دون ان يلحظ في متعلق الامر جزء أو شرطا وانما هو شرط تكويني.
وعلى هذا فلا معنى لاجراء القاعدة فيه إذ لا يقع مثله مورد التعبد الشرعي لعدم دخله شرعا في المأمور به فالتعبدية لا يجدي شيئا ولا يترتب عليه اثر شرعي مترقب، وترتب عنوان المأمور به عليه ترتب عقلي لا ينفع فيه التعبد.
وبهذا يظهر انه لا وجه يقتضى جعله موردا للكلام كما ارتكبه الاعلام.
ولعله إلى ذلك ينظر المحقق العراقي في منعه جريان القاعدة فيه معللا بان المعتبر في العمل نشوؤه عنه لا نفسه فإنه يمكن أن يكون نظره إلى ما ذكرناه من عدم اعتباره في العمل وانما المعتبر هو عنوان الصلاتية أو الظهرية.
ولو تنزلنا عن هذه الجهة فنقول ان القصد المعتبر اما يكون قصدا واحدا مستمرا وعليه يبتنى مبطلية نية القطع أو القاطع كما التزم به بعضهم واما يكون متعددا بتعدد الاجزاء فهو معتبر في كل جزء ولذا لا تبطلالصلاة بنية القطع.
ولا يخفى ان قاعدة التجاوز انما تجرى في القصد إذا كان اعتباره بالنحو الثاني لصدق التجاوز عنه بتجاوز الجزء.
اما إذا كان اعتباره بالنحو الأول فلا مجال لجريان القاعدة فيه لان المفروض انه امر واحد مستمر ومحله جميع العمل فلا يتحقق التجاوز عنه في الأثناء.
هذا بالنسبة إلى جريان قاعدة التجاوز في النية واما بالنسبة إلى قاعدة التجاوز في نفس العنوان المأمور به فتحقيق الحال فيه أنه يتصور على انحاء.
فتارة يقال إنه امر واحد مستمر يعنون به مجموع العمل.
وأخرى يقال إنه متعدد بتعدد الاجزاء وهو تارة يكون متقوما بمجموع الاجزاء بحيث لا ينطبق الا على المجموع نظير الحمى القائمة باجزاء البدن فان كل جزء لا يقال إنه محموم بل مجموع البدن محموم وأخرى يكون متقوما بكل جزء فكل جزء ينطبق عليه انه صلاة أو ظهر ولا يخفى انه لا مجال لتوهم جريان قاعدة التجاوز في العنوان بناء على الاحتمالين الأولين، لعدم تحقق التجاوز عنه بعد تقومه بالكل.
نعم لتوهم جريان القاعدة فيه مجال على الاحتمال الثالث لتجاوز محله بتجاوز الجزء وان وقع محل الاشكال من جهات أخرى.
واما الشرط المقوم للجزء عقلا كقصد الركوعية في الركوع فقد ظهر الحال فيه مما ذكرناه في شرط الكل إذ عرفت أنه لا مجال لتوهم جريان القاعدة في الشرط العقلي التكويني لعدم ترتب اثر شرعي عليه.
واما اجراء القاعدة في وصف الركوعية فللمنع عنه مجال لان الانحناء الركوعي مباين عرفا للانحناء غير الركوع والذاتان متباينتان والمطلوب هو الذات المعنونة بعنوان الركوع ومن الواضح ان اثبات تحقق الركوعية لا يثبت تحقق الذات المعنونة وهي الركوعية الا بالملازمة واما اجراء القاعدة في نفس الركوع فقد تقدم الاستشكال فيه بدعوى انصراف اخبار القاعدة إلى الشك في أصل الوجود لا في اتصاف الموجود بعنوان الجزء.
نعم يمكن اجراء قاعدة الفراغ في الانحناء واثبات صحته بناء على عدم اعتبار احراز العنوان في جريانها وسيجئ البحث فيه.
واما الشرائط الشرعية المعتبرة في الكل فالحق فيها هو التفصيل بين ما هو معتبر حال العمل الاستقبال والستر ونحوهما وما هو معتبر سابقا على العمل كالوضوء على قول فتجرى القاعدة في الثاني دون الأول.
والوجه في ذلك على سبيل الاجمال - ان التجاوز عن المحل بالنسبة إلى ما هو معتبر في حال العمل لا يصدق ولو مع دخول المكلف في الجزء اللاحق إذ غاية ما يمكن تصوير تحقق التجاوز عن محل الشرط مع الدخول في الجزء اللاحق هو ما يقال من أن المعتبر في كل جزء تقيده بالشرط المفروض فمع التجاوز عن الجزء يتحقق التجاوز عن التقيد المأخوذ فيه فتجرى القاعدة في تقيده بالشرط، ويترتب الأثر مع احراز التقيد بالنسبة إلى الاجزاء اللاحقة.
ولكن هذا المطلب لا يمكن الالتزام به فان التقيد من شأن المفاهيم والعوارض ولا يتصور في المعاني المتباينة مثل الطهارة والركوع فان كلا منهما يباين الآخر فلا معنى لان يكون أحدهما مقيدا بالآخر إذ الطهارة من عوارض المكلف لا الركوع.
نعم يتصور اخذ التقيد بنحو آخر وهو أن يكون الواجب هو الركوع المقارن للطهارة فيؤخذ القيد وصف المقارنة للطهارة.
ولكن هذا مما لا يلتزم به والا لأشكل الامر في استصحاب الطهارة فإنه لا يثبت الوصف الملحوظ المأخوذ في الواجب وهو وصف المقارنة.
وعليه، فالذي يلتزم به في باب الشروط هو اخذ الشرط بنحو المعية في الوجود مع الجزء، نظير نفس الاجزاء فيما بينها الا ان الفرق تعلق الامر بالجزء دون الشرط.
ومن الواضح ان اخذ الشرط بهذا النحو لا يستلزم كون الجزء محلا له وظرفا بحيث يكون التجاوز عنه تجاوزا عن الشرط، بل بالاتيان بالجزء دون الشرط لن يفت محل الشرط ويمكن الاتيان به مع الجزء في كل وقت ولو بإعادة الجزء.
وقد يلتزم في باب الشروط بوجه آخر وهو اعتبار الإضافة إلى الشرط بمعنى ان الواجب هو ايقاع الجزء في طرف الشرط، فيلحظ الجزء مضافا إلى الزمان الخاص وهو زمان الشرط.
ولكن لو تم هذا لم ينفع في المطلوب، لان طرف الإضافة هو نفس الزمان دون الخصوصية، فالشك في الخصوصية - أعني الشرط - لا يستلزم الشك في طرف الإضافة بل في خصوصيته.
والوجه فيه أن طرف الإضافة لو كان هو الزمان الخاص لأشكل الامر في مثل استصحاب الشرط كالطهارة لعدم اثباته إضافة الجزء للطهارة حتى يتحقق طرف الإضافة فكيف يجدي في الامتثال؟ فمقام الثبوت والاثبات يساعدان على كون طرف الإضافة نفس الزمان والخصوصية للزمان نفسه لا مأخوذة في الإضافة فيعتبر ان تكون الصلاة في زمان فيه طهارة فيصح اجراء استصحاب الطهارة لاثبات خصوصية الزمان نظير استصحاب الخمرية لاثبات حرمة شرب المائع المشكوك فإنه لا يثبت كون شرب هذا المائع شرب الخمر ولكن يثبت به انه شرب مائع هو خمر وليس الملحوظ في الحكم أزيد من ذلك فليس المحرم الشرب المضاف إلى الخمر بل الشرط المضاف إلى مائع هو خمر.
وعليه فإذا ثبت ان طرف الإضافة هو الزمان والشرط لوحظ كخصوصية للزمان لا طرفا للإضافة فالمشكوك لا يكون طرف الإضافة بل خصوصية الطرف وهي مما لم يفرض لها محل.
هذا مع اخذ الشرط طرفا للإضافة لا يظهر منه سوى كون الشرط ظرفا للجزء لا العكس، فاعتبار كون الركوع في حال الطهارة ظاهر بحسب لسان الدليل في كون الطهارة ظرفا للركوع لا كون الركوع ظرفا للطهارة فانتبه.
فتبين من جميع ذلك أنه لا مجال لجريان قاعدة التجاوز في الشرط المقارن.
واما الشرط السابق على العمل، فالقاعدة تجرى فيه إذا شك فيه بعد الدخول في العمل لتجاوز محله بعد الدخول، لان ظرفه هو الزمان السابق على العمل. وهذا مما لا اشكال فيه. انما الاشكال في أنه هل يعتبر احرازه للاجزاء اللاحقة أو لا؟ ذهب المحقق العراقي إلى لزوم ذلك، وان القاعدة لا تنفع الا في ما مضى من الاجزاء، إذ ما يأتي من الاجزاء لم يتجاوز عنه، ودليل القاعدة انما يتعبد بها بمقدار ما تحقق التجاوز عنه، وهذا منه مبنى على اعتبار التجاوز عن نفس المشروط لا خصوص المشكوك، وهو مما لا دليل عليه، إذ غاية ما يدل عليه الدليل اعتبار التجاوز عن المشكوك، وهو فيما نحن فيه حاصل، إذ الشرط إذا كان مأخوذا سابقا على العمل فمع الدخول في العمل يتحقق التجاوز عن محله حتى بالنسبة إلى الاجزاء اللاحقة لان شرطها هو الفعل السابق عن العمل.
نعم، بالنسبة إلى الاعمال المستقلة الأخرى كصلاة ثانية لا تنفع، لان قاعدة التجاوز انما تتعبد بالمشكوك بمقدار التجاوز عنه، والوضوءللصلاة الأخرى لم يتجاوز عن محله بالدخول في هذه الصلاة.
نعم، هو تجاوز عن محل الوضوء لهذه الصلاة، فلا تثبت القاعدة الا وضوء هذه الصلاة لا غير، فيلزمه الوضوء للصلوات الأخرى. ومن هنا ظهر الحال ما إذا شك في صلاة الظهر بعد دخوله في صلاةالعصر، فان قاعدة التجاوز في صلاة الظهر انما تثبت تحقق صلاة الظهر بمقدار تأثيرها في صحة العصر، واما صلاة الظهر بما هي واجبة مستقلا فلم يتجاوز عن محلها، إذ لا يعتبر فيها ان تكون قبل العصر بل المعتبر ان تكون العصر بعدها فيلزمه على هذا الاتيان بالظهر بعد العصر. هذا تمام الكلام في الشروط