لعدم التنافي فيها بينها - ولا بد لنا قبل الخوض في تحقيق الحال من تأسيس الأصل عند دوران الامر بين الترجيح والتخيير بمعنى انه بعد فرض استفادة لزوم العمل بأحدهما المتعارضين - وعدم جواز طرحهما معا ولكن لم يتعين بالأدلة أحد الامرين من الترجيح والتخيير وشك في ذلك فهل مقتضى القواعد هو تعين الاخذ بما فيه المزية والمرجح أو لا بل مقتضاها التخيير بينهما؟
وثمرته بأنه لو تم قيام القاعدة على الترجيح كفى ذلك دليلا عليه بمجرد الشك في ثبوت أدلة التخيير بلا حاجة إلى إقامة الدليل الخاص عليه.
والتحقيق ان مقتضى القاعدة تعيين الاخذ بذي المزية والمرجح لأنه معلوم الحجية على التقديرين دون الآخر لدوران الامر بين التعيين والتخيير.
وكون المسألة في موردها محل خلاف للمناقشة في كون الأصل هو التعيين بأن القدر المتيقن من التكليف هو التكليف بالجامع، وغيره الزائد عليه مشكوك فيه فأصالة البراءة تنفيه وهي معذرة فيثبت التخيير دون التعيين.
لا يضر فيما نحن فيه ولذا التزم بان الأصل فيما نحن فيه مقتضى الترجيح من لا يلتزم بالتعيين في مسألة الاشتغال - وذلك لان دوران الامر بين التعيين والتخيير هناك انما هو بالنسبة إلى الحكم الشرعي الفرعي فأصالة البراءة يمكن دعوى جريانها في نفي التعيين.
واما في ما نحن فيه فالدوران بين التعيين والتخيير بالنسبة إلى الحجية والمفروض ان الأصل في باب الحجية مع الشك هو عدم الحجية وذلك ينتهى بنا فيما نحن فيه إلى الترجيح بعكس أصالة البراءة في مسألة الاشتغال وذلك لأنه مع احتمال لزوم الترجيح يكون غير ذي المزية مشكوك الحجية والأصل عدمها فالامر يدور حينئذ بين ما هو مقطوع الحجية ومشكوكها ولا اشكال في لزوم الاخذ بما هو مقطوع إذ مشكوك الحجية مساوق لمقطوع عدم الحجية.