منتقى الأصول - تقرير بحث الروحاني ، للحكيم - ج ٧ - الصفحة ٢١٩
الثاني دون الأول، لعدم تحقق ملاكها مع الجهل بالحكم حال العمل كما تقدم.
مع أنه ما ذكره من كونه من الشبهة الحكمية عجيب، لأنه بعد تقليده تعين لديه المأمور به وانه مع السورة - مثلا - فالشك يرجع حينئذ إلى أنه جاء بالمأمور به أولا وهذا شك في الموضوع كما لا يخفى. نعم قبل التقليد كان جاهلا حكما الا انه في حال اجراء القاعدة بعد التقليد يرتفع جهله الحكمي فالشق المذكور من صور الشبهة الموضوعية.
واما الشق الثاني فما ذكره من عدم انحلال العلم الاجمالي وتنجزه ان كان تمهيدا لبيان عدم جريان القاعدة فلا كلام فيه واما ان كان تتمة للاستدلال على عدم جريانها فلا يعرف له وجه لان قاعدة الفراغ مؤمنة في صورة العلم التفصيلي بالتكليف، فضلا عن صورة العلم الاجمالي، فلا فرق في الانحلال بين التقليد وعدمه الجهة الخامسة عشرة: هل يعتبر في جريان قاعدة الفراغ أن يكون الشك حادثا بعد العمل أو لا فتجرى ولو كان الشك قد حدث في الأثناء؟
التحقيق هو الأول اما على القول بان القاعدة امارة فواضح لأنه إذا فرض ان الشك كان في أثناء العمل فلا تتحقق أذكريته بل لا معنى لها إذ حاله قبل الفراغ كحاله بعد الفراغ لأنه شاك في الحالين.
واما على القول بأنها أصل، فلظهور الروايات في كون موضوع الالغاء هو الشك المتعلق حدوثا بالعمل الماضي المفروغ عنه لا الشك الحادث قبل الفراغ المستمر إلى ما بعد الفراغ كما لا يخفى (1).

(١) وقد تعرض بعض الاعلام في هذا المبحث إلى فرع تقدم تحقق الكلام فيه في أوائل الاستصحاب وهو ما إذا شك الانسان قبل صلاته في الطهارة والحدث وكانت حالته السابقة هي الحدث فاستصحبه ثم غفل وصلى وبعد صلاته تنبه وحصل له الشك في صحة صلاته لاحتمال الطهارة واقعا.
ولهذا الفرع صورتان أحدهما ان يعلم بأنه لم يتوضأ بعد الاستصحاب وانما يتمحض احتمال الصحة باحتمال الطهارة الواقعية والأخرى ان يحتمل انه توضأ بعد الاستصحاب كما يحتمل أن يكون غفل وصلى بدون وضوء رافع للحدث الثابت بالاستصحاب.
وقد التزم المحقق النائيني بجريان قاعدة الفراغ في الصورة الثانية دون الأولى ووجه جريانها بان حكم استصحاب الحدث لا يزيد على حكم اليقين الوجداني به ولا شك انه مع اليقين بالحدث قبل الصلاة ثم شك بعد الصلاة في أنه توضأ ثم صلى أو غفل وصلى تجري في حقه قاعدة.
الفراغ فكذلك ما إذا كان مستصحب الحدث.
واما عدم جريانها في الصورة الأولى فلأجل الاستصحاب الجاري قبل العمل وعدم احتمال انتقاضه وقاعدة الفراغ ناظرة إلى الاستصحاب الجاري بعد العمل بلحاظ الشك الحاصل بعد العمل ولا نظر لها إلى الاستصحاب الجاري قبل العمل بلحاظ الشك الحاصل قبل العمل وقد ناقشه المحقق العراقي بأنه لا وجه للتفكيك بين الصورتين فان القاعدة لا تجرى في كلتا الصورتين وذلك لان المعتبر في القاعدة أن لا يكون الشك في الصحة مسبوقا بشك آخر قبل العمل من سنخه أو غير سنخه. وبما أن الشك في كلتا الصورتين مسبوق بشك آخر قبل العمل لم يكن من موارد القاعدة.
كما أنه ناقش ما افاده في الصورة الأولى من عدم حكومة قاعدة الفراغ على الاستصحاب الجاري قبل العمل بان الاستصحاب بما أنه حكم مجعول بلحاظ التنجيز والتعذير فلا يجرى الا مع الالتفات اما مع الغفلة كما هو المفروض فيما نحن فيه فلا مجال لتأثيره لامتناع التنجيز في حق الغافل اذن فلا استصحاب أثناء العمل كي يكون مقدما على قاعدة الفراغ.
أقول قد تقدم منا تقريب جريان استصحاب الحدث مع الغفلة ببيان ان الاستصحاب انما يتكفل التنجيز في الأحكام التكليفية دون الوضعية كالحدث والطهارة والملكية والزوجية ونحو ذلك فلا مانع من جريانه مع الغفلة فكما أن وجودها الواقعي لا يرتفع بالغفلة كذلك وجودها الظاهري ولذا تترتب آثار الملكية ونحوها من الأحكام الوضعية مع الغفلة عنها.
واما ما افاده في مناقشة جريان قاعدة الفراغ في الصورة الثانية من عدم جريان قاعدة الفراغ في الشك المسبوق بشك آخر من سنخه أو من غير سنخه.
فيمكن التأمل فيه بان أصل الكبرى التي فرضها وان كانت لا تخلو عن قرب بعد حملها على أن يكون المراد من إرادة الشك غير المسانخ ما له نحو ارتباط بالشك في الصحة لا مطلق الشك غير المسانخ ولو كان أجنبيا بالمرة عن الشك في الصحة إذ لا وجه له محصل.
ووجه قرب ذلك أن الشك في الصحة وان كان حادثا بعد العمل الا ان المرفوع بقاعدة الفراغ هو الشك في أداء الوظيفة والخروج عن العهدة ومع وجود الشك السابق لا يرجع الشك في الصحة إلى الشك في أداء الوظيفة لان الشك السابق معين لوظيفة خاصة على المكلف والمعلوم عدم أدائها.
لكن الاشكال في تطبيقها على ما نحن فيه فإنها تختص بما إذا كان الشك السابق حادثا حين العمل لا ما إذا كان قبل العمل بمدة واحتمل الالتفات حال العمل، والعمل بما هو مقتضى وظيفة الشاك من الوضوء ورفع الحدث الاستصحابي فان أداء الوظيفة مشكوك في هذا الحال لا معلوم العدم فلا مانع من جريان القاعدة.
وعلى هذا فالتفصيل بين الصورتين كما افاده المحقق النائيني وجيه. فتدبر ثم إن المحقق العراقي تعرض إلى البحث في جهتين أخرتين:
الجهة الأولى في أن المضي على المشكوك فيه في مورد قاعدة التجاوز رخصة أو عزيمة وقد ذهب (قدس سره) إلى أنه عزيمة فلا يجوز الاتيان بالمشكوك ولو برجاء الواقع ويكون الاتيان به من الزيادة العمدية بالنسبة إلى المشكوك والغير الذي دخل فيه وذلك يوجب البطلان واستند في ذلك إلى ظهور الامر بالمضي في اخبار الباب وقوله (عليه السلام): " بلى قد ركعت " في وجوب البناء على وجود المشكوك فيه وتحققه في محله فلا يشرع الاحتياط لعدم الموضوع له بعد حكم الشارع بوجود المشكوك هذا ما افاده (قدس سره).
ويمكن المناقشة في استدلاله وما رتبه من الأثر على مدعاه.
اما استدلاله فلانه من الواضح ان قوله (عليه السلام) " بلى قد ركعت " لا يراد به الاخبار عن تحقق الركوع واقعا، وانما هو تعبد ظاهري بتحقق الركوع ومن البين ان الحكم الظاهري لا يمنع من الاحتياط فيما نحن فيه لأنه مسوق مساق التأمين والتعذير فهو رخصة لا عزيمة.
واما الامر بالمضي فهو امر واقع مورد توهم الحظر يعنى حظر المضي ولزوم العود واتيان المشكوك فلا يفيد سوى عدم الحظر وعد لزوم المضي وحرمة العود فالتفت واما ما رتبه من الثمرة وهو ان الاتيان بالمشكوك يكون من الزيادة العمدية فيرد عليه: انه لا يتم في الاجزاء التي يتقوم صدق زيادتها باتيانها بقصد الجزئية كالقراءة والتشهد ونحو ذلك، إذ بالاتيان بها رجاء لا تصدق الزيادة لعدم قصد الجزئية.
نعم في مثل السجود والركوع بناء على القول بتحقق زيادتهما بمجرد الاتيان بهما بذاتهما ولو لم يقصد بهما الجزئية يتأتى ما ذكره. مع امكان الرجوع إلى أصالة عدم زيادة الركوع في نفى عروض المبطل على الصلاة الواقعية. فتأمل.
الجهة الثانية في أنه إذا دار امر الجزء الفائت بين ما يستلزم فواته البطلان كالركن وما لا يستلزم فواته البطلان كغير الركن فهل تجرى قاعدة التجاوز في كلا الجزءين وتسقط بالمعارضة أو لا؟ كما لو علم اجمالا بفوات الركوع منه أو التشهد فإنه قد يقال ان كلا من الركوع والتشهد مجرى القاعدة ومقتضى ذلك التساقط لكنه " قدس سره " ذهب إلى عدم جريان القاعدة في مثل التشهد وذلك لأنه يعتبر في قاعدة التجاوز أن يكون المشكوك على تقدير وجوده واقعا مما يجزم بأنه مأتي به على طبق امره فلو لم يكن المشكوك كذلك لم تجر القاعدة لعدم ترتب اثر عملي على التعبد بالمضي عليه وما نحن فيه كذلك لان وجود التشهد ملازم لفوت الركوع وهو مستلزم لبطلان صلاته فلا يترتب على وجوده اثر علمي حتى يثبت بالقاعدة.
وببيان آخر يقال إنه في الفرض يعلم تفصيا بعدم الاتيان بالتشهد موافقا لامره اما لعدم الاتيان به رأسا واما للاتيان به في صلاة باطلة. ومع العلم التفصيلي المزبور لا مجال لجريان القاعدة فيه فتكون قاعدة التجاوز في الركوع بلا معارض.
وقد تلقي ما افاده بالقبول وطبق في فروع متعددة من فروع العلم الاجمالي في العروة الوثقى وهو بيان علمي رصين، لكنه لا يخلو عن مناقشة وذلك: لان قاعدة التجاوز اما أن يكون مفادها الصحة الفعلية للصلاة بحيث يكون مقتضى جريانها اثبات الامر بغير المشكوك فيكون العمل المأتي به موافقا للامر واما أن يكون مفادها الصحة من جهة المشكوك خاصة فهي تتكفل التامين من ناحية المشكوك من دون اثبات امر ظاهري آخر غير الامر بالمقام.
فعلى الأول لا يمكن اجراء القاعدة مع تعدد الجزء المشكوك ركنا كان أم غير ركن لان اجراءها في كل واحد منهما يقتضى إفادة الصحة الفعلية واثبات امر ظاهري بغير المشكوك وهذا يمتنع مع فرض الشك في اتيان الجزء الاخر المستلزم للشك في الصحة، وليس لدينا قاعدة واحدة تجرى في كلا الجزئين المشكوكين معا، لان كل جزء مشكوك موضوع مستقل لعموم دليل القاعدة.
وعلى الثاني: فلا مانع من جريان القاعدة في التشهد في نفسه لعدم العلم بتركه والمفروض انهما تتكفل التامين من ناحية عدم الاتيان به خاصة وهو غير معلوم، فلا يتجه ما ذكره من العلم بعدم امتثال امره اما لتركه أو لترك الركن الموجب للبطلان، فإنه يتم لو فرض تكفل القاعدة للتأمين الفعلي لا التامين من جهة كما هو الفرض.
نعم، يبقى اشكال اللغوية وان التامين من ناحية التشهد لا اثر له مع عدم صحة العمل.
ويندفع: بان قاعدة التجاوز الجارية في الركوع تثبت الصحة وتنفى البطلان. فلا يكون جريانها في التشهد بلا اثر ولغوا.
نعم، لمكان العلم الاجمالي تتحقق المعارضة بين القاعدتين، وبعبارة أخرى: يكفى في رفع اللغوية ترتب المعارضة على جريانها لان اللغوية ترتفع بأدنى اثر. ولا وجه لطرح قاعدة التجاوز في التشهد خاصة. فتدبر والله سبحانه العالم.
(٢١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 214 215 216 217 218 219 223 224 225 226 227 ... » »»
الفهرست