منتقى الأصول - تقرير بحث الروحاني ، للحكيم - ج ٧ - الصفحة ١٧٥
تذنيب (1) في الشك في الجزء الأخير من العمل، وهو يتصور على وجوه:
(1) تحقيق الكلام في جريان قاعدة التجاوز عند الشك في الجزء الأخير: ان الاحتمالات أو الأقوال فيها أربعة:
عدم الجريان مطلقا سواء دخل في امر مرتب شرعا كالتعقيب، أو دخل في المنافي السهوي والعمدي كالاستدبار.
والجريان مطلقا.
والتفصيل بالجريان في الأول دون الثاني والتفصيل بالعكس.
وهذا هو الأقوى. وبيانه: ان التجاوز عن المحل يعتبر فيه اخذ المتجاوز عنه سابقا على المدخول فيه ولا يكفى فيه مجرد اخذ المدخول فيه متأخرا عن المشكوك كما عرفت في القنوت والقراءة وصلاة الظهر وصلاة العصر. وبعبارة أخرى، يكون السبق مأخوذا في صحة السابق ولا يكفى اخذه في صحة اللاحق.
وعليه، فمثل التعقيب وان اخذ متأخرا عن التسليم، الا انه لم يؤخذ في التسليم أن يكون قبل التعقيب، بل يصح ولو لم يتعقبه تعقيب. فلو قدم التعقيب لم يبطل التسليم، بل يبطل التعقيب لفقدان شرطه. وعليه فلا يتحقق التجاوز عن التسليم بالدخول في التعقيب - كما ادعى لاجل انه دخول في الغير المترتب شرعا -، نظير الوضوء لو اخذ بنفسه شرطا للصلاة فإنه قد عرفت أن قاعدة التجاوز انما تجرى فيه بمقدار ما يصحح به الصلاة لا باتيانه بقول مطلق وهكذا في مثل صلاة الظهر لو شك فيما بعد الدخول في العصر.
ومن الغريب ان من يذهب في تلك الموارد إلى عدم اجراء قاعدة التجاوز الا بمقدار تصحيح المشروط بالمشكوك، يذهب في ما نحن فيه إلى جريان القاعدة لاثبات التسليم، مع أنهما من واد واحد. فتدبر. فظهر بهذا البيان وجه عدم جريان القاعدة عند الشك في التسليم بعد الدخول في التعقيب.
واما جريانها عند الشك فيه بعد الدخول في المنافى السهوي والعمدي. فقد ينفى بان المنافى ليس امرا مترتبا على التسليم كي يكون الدخول فيه محققا للتجاوز.
ولكن التحقيق: ان التسليم وإن لم يؤخذ سابقا على المنافى في لسان الأدلة. الا انه من ملاحظة دليل مانعية المنافي إذا وقع أثناء الصلاة يستفاد اعتبار تعقب التسليم للتشهد بلا فصل بالمنافي، فيعتبر في التسليم بعد التشهد بلا فصل فإذا فرض تحقق المنافي في الأثناء لزم من ذلك فوات محل التسليم وتجاوزه فالشك فيه والحال هذه يكون من الشك بعد التجاوز، فيكون من موارد القاعدة.
هذا تحقيق الحال في هذه المسألة وقد ظهر مما ذكرناه وجوه الأقوال الأخرى ومناقشتها هذا بالنسبة إلى قاعدة التجاوز.
واما جريان قاعدة الفراغ عند الشك في الجزء الأخير فتحقيق الكلام فيه باجمال ان الشك في الجزء الأخير تارة يكون مع عدم الدخول في الغير أصلا بل هو بعد على هيئة المصلى ولكن يشك انه جاء بالجزء الأخير أو لم يجئ وفى مثله لا تجرى قاعدة الفراغ لعدم العلم بتحقق المضي والفراغ من العمل لاحتماله أن يكون سكوته من الآنات المتخللة بين أفعال الصلاة لا الآن المتعقب للتسليم فلا يحرز موضوع القاعدة وأخرى يكون مع الدخول في المنافى السهوي كالاستدبار ومحل الكلام ما إذا وجد نفسه في حالة غير صلاتية بمعنى انه لم يكن ناويا للصلاة وشك في أن ذلك كان منه قبل التسليم سهوا أو انه كان منه بعده ومثل له بما إذا أفاق فرأى نفسه في السجود وشك في أنه سجودالشكر بعد الصلاة أو انه سجودالركعة الأخيرة فان حالته الفعلية حالة غير صلاتية وقد اعتبر المحقق النائيني في جريان القاعدة بتحقق معظم الاجزاء ونوقش بان تحقق المعظم يلحظ في تحقق عنوان الصلاة في قبال عدمه لا في كون الشك بعد الفراغ في قبال كونه في الأثناء الذي هو المقصود فيما نحن فيه.
والتحقيق ان المراد من لفظ الفراغ ما يقابل الاشتغال بالعمل فان مفهومه يساوق ذلك فإنه بمعنى الخلو ومن الواضح ان تحقق المنافي السهوي بالنحو الذي فرضناه يحقق عدم الاشتغال بالعمل الخلو عنه لعدم كونه ناويا للصلاة فعلا فيصدق به الفراغ فيكون من موارد القاعدة وليس المراد بالفراغ هو الاتمام والانتهاء من العمل في قبال كونه في الأثناء بل صدق الفراغ على الاتمام من باب استلزامه للخلو وعدم الشغل.
ولو سلم كون المراد منه هو اتمام العمل والانتهاء منه، فلا يخفى ان المراد بالعمل ما يعم الصحيح والناقص لا خصوص الصحيح التام، لأنه ينافي فرض الشك في الصحة ومن الواضح انه يصدق بتحقق المعظم فإذا تحقق المعظم صدق الفراغ عن العمل والانتهاء منه بعد الدخول في القاطع فان الدخول في القاطع دخول في حالة مباينة للصلاة والمفروض تحقق الصلاة بتحقق المعظم فقد صدق الانتهاء من الصلاة - بالمعنى الأعم -.
ولعل هذه النكتة هي السبب في اعتبار المحقق النائيني تحقق المعظم في جريان القاعدة فلا يتوجه عليه النقاش المزبور.
هذا مع أنه ليس في روايات الباب ما ورد فيه التعبير بالفراغ الا رواية زرارة الواردة في الوضوء المتكفلة للتفصيل بين الشك في أثناء الوضوء والشك بعده وهي واضحة الدلالة بملاحظة صدرها على كون المراد بالفراغ ما يقابل الاشتغال بالعمل وعدم الخلو منه. فلاحظها.
هذا كله بالنسبة إلى عنوان الفراغ.
واما لفظ المضي، فقد ذهب السيد الخوئي إلى أنه بمعنى الفوات وعدم امكان التدارك ولذا لم يلتزم بجريان القاعدة إذا كان الشك بعد الدخول في المنافى العمدي خاصة كالتكلم لاحتمال كونه سهويا فيمكن التدارك.
ولكن فيه: انه لا قرينة على هذا الظهور بل الظاهر أنه بمعنى التحقق في الزمان الماضي والسابق، وعليه، فلا يختلف الحال فيه بين الدخول في المنافى السهوي أو العمدي، بعد تحقق معظم الاجزاء لصدق مضى الصلاة إذا وجد نفسه فعلا في حالة غير صلاتية. كما هو محل الكلام.
ثم لا يخفى انه بناء على ما ذكرناه من كون المراد بالفراغ ما يقابل الاشتغال بالعمل، لا يتحقق الفراغ الا بالبناء على تمامية العمل، فيكون الفراغ المقصود هو الفراغ البنائي، لكن لا من باب استعمال لفظ الفراغ في البنائي دون الحقيقي كي يقال إنه لا دليل عليه بعد كونه خلاف الظاهر، بل الفراغ مستعمل في الفراغ الحقيقي، لكن الفراغ الحقيقي بالمعنى الذي عرفته لا يتحقق الا بعدم نية العمل وبنائه على تماميته، إذ ما دام ناويا للعمل يكون مشتغلا به.
نعم، الفراغ بمعنى الاتمام والانتهاء في مقابل الأثناء يتحقق حقيقة ولو بدون بناء إذ العمل يتم ولو فرض انه بعد بانيا على عدم التمامية اشتباها وسهوا. واما الاشتغال فلا حقيقة له الا نية العمل لان الصلاة معنى قصدي يتقوم بالقصد فما دام ناويا للصلاة فهو بعد مشتغلا بها ولو كان اشتغاله سهويا. فلاحظ تعرف.