منتقى الأصول - تقرير بحث الروحاني ، للحكيم - ج ٧ - الصفحة ٤١٣
السلام): انا والله لا ندخلكم الا فيما يسعكم " (1).
وهذه الروايات لا تصلح للدلالة على المدعى.
اما الأوليان (2)، فالمفروض فيهما هو القطع بصدور كلام الحديثين لان
(١) وسائل الشيعة ١٨ / ٧٨ باب ٩، من أبواب صفات القاضي الحديث ٨.
(٢) تحقيق الكلام في هاتين الروايتين من حيث مدلولهما ان يقال ان ظاهرهما كما أشير إليه في المتن - كون الحكمين المختلفين صادرين من نفس الإمام (عليه السلام) مشافهة، فالالزام بالأخذ بالمتأخر لا يرتبط بترجيح سند احدى الروايتين المتعارضتين على الأخرى وتعيين صدورها فهما أجنبيتان عن محط الكلام، لكن لو تم مدلولهما وسندهما أشكل الاخذ بهما على ظاهرهما وذلك لان مرجع مفادهما إلى بيان ان الحكم السابق ليس حكما واقعيا يلزم الاخذ به وانما هو حكم صوري اقتضت المصلحة بيانه مؤقتا.
وبما أن مطلق الروايات المتكفلة للحكمين المختلفين في زمن الصدور إذ لا تصدر الروايتان منهما في آن واحد عادة بل تكون أحدهما متقدمة زمانا على الأخرى فمقتضى هذه النصوص ان احدى هاتين الروايتين وهي السابقة - صدرت لغير الحكم الواقعي فإذا علم بالسابقة من الروايتين كانت معلومة البطلان وان اشتبه الحال كما في الروايتين الصادرتين من امام واحد كان المورد من اشتباه الحجة باللا حجة لان إحداهما الواقعية المعينة معلومة البطلان ولكنها غير مميزة.
وعلى هذا لا يبقى للتعارض مورد أصلا وهو خلاف النصوص الأخرى التي تفرض للتعارض موضوعا وخلاف الضرورة من الصدر الأول إلى الآن فان وجود التعارض بين الروايات هو من الأمور المفروغ عنها بين الكل فمدلول هذه النصوص مما يصطدم مع الضرورة فلا يمكن الركون إليه ومع الغض عن هذا الاشكال نقول إن لزوم الاخذ بالأحدث لا وجه له الا التقية اما في الحكم السابق وارتفاعها فعلا فيتعين الاخذ باللاحق لارتفاع العارض.
واما في الحكم اللاحق لاقتضاء التقية رفع اليد عن الحكم الواقعي ومن الواضح اختصاص هذا بما إذا كان أحد الحكمين موافقا للتقية دون ما إذا لم يكن أحدهما كذلك فاطلاق الحكم بلزوم الاخذ بالأحدث في الروايتين مما لا يظهر له وجه.
هذا مضافا إلى أن التشريع الناسخ للتشريع السابق وان كان للامام (عليه السلام) ومن صلاحياته الا انه لم يكن يتصدى خارجا إليه بل كان بيانه الحكم من باب انه الحكم الواصل إليهم عن النبي (صلى الله عليه وآله) كما يشير إليه التعبير في الروايتين المزبورتين ب " حدثتك بحديث " كما أنه لا يحتمل في حقهم (عليهم السلام) فلا بد وأن يكون ناشئا عن ملاحظة ظروف التقية التي تحيط بهم أو بالسائل.
وعلى هذا الأساس يكون مقتضى القاعدة هو الاخذ بالحكم الا حدث ولو لم يبين ذلك في النصوص، وذلك لأنه اما أن يكون الحكم السابق موافقا للتقية، فبيان خلافه متأخرا يكشف عن زوال التقية، فيلزم الاخذ به. واما أن يكون اللاحق هو الموافق للتقية، فيلزم الاخذ به للتقية. فالحكم اللاحق يلزم الاخذ به، اما للتقية أو لأنه الحكم الواقعي، لكن لا يخفى ان هذا هو حكم من كان في زمن التقية، فلا يشمل من كان في غير زمن التقية، كزماننا الذي نحن فيه، بل المستفاد من هذه النصوص هو لزوم الاخذ لما يخالف العامة بالنسبة إلى من هو في هذه الأزمنة لأنه هو الحكم الواقعي، فلا يستفاد من هذه النصوص امر زائد على اخبار الترجيح بمخالفة العامة.
وهذا البيان أولى مما ذكره المحقق الأصفهاني (قدس سره) من اختصاص هذه النصوص بزمن التقية وهو زمن الحضور، فلا تتكفل حكم زمن الغيبة، فالمرجع فيه الاخبار العلاجية الأخرى.
فإنه يرد عليه: ان الاخبار العلاجية نص بالنسبة إلى زمن الحضور فإنه القدر المتيقن منها، إذ لا يحتمل انها تتكفل بيان حكم زمن الغيبة خاصة. وعليه فتكون معارضة لهذه الاخبار، وهذا بخلاف ما بيناه من استفادة الاخذ بمخالف العامة في غير زمن الغيبة من نفس الاخبار بلا احتياج إلى الرجوع إلى الاخبار العلاجية في ذلك، لعل مراده ما ذكرناه.