المهذب البارع - ابن فهد الحلي - ج ٣ - الصفحة ١٧٤

____________________
الجنان، إذا الترغيب في لذة لم يحركها ذواق، لا ينتفع، فلو رغب العنين في لذة الجماع والصبي في لذة الملك والسلطنة لم ينفع الترغيب، لعدم شعورهما باللذتين، فأحد فوائد لذات الدنيا، الرغبة في دوامها في الجنة، ليكون باعثا على عبادة الله، فانظر إلى الحكمة، ثم إلى الرحمة، ثم إلى التعبية الإلهية، كيف عينت تحت شهوة واحدة، حياتان، حياة ظاهرة وحياة باطنة، فالظاهرة حياة المرء ببقاء نسله، فإنه نوع من دوام الوجود، والحياة الباطنة هي حياة الآخرة، فإن هذه اللذة الناقصة بسبب الانصرام والتفصي، تحرك رغبة في الكاملة ذات الدوام، فيستحث على العبادة الموصلة إليها، فيستفيد العبد بشدة الرغبة فيها بعد المواظبة على ما توصله إلى نعيم الجنان، وما من ذرة من ذرات بدن الإنسان ظاهرا وباطنا، بل من ذرات ملكوت السماوات والأرضين، إلا وتحتها من لطائف الحكمة وعجائبها ما تحار فيه العقول.
المقدمة الخامسة في خطب النكاح:
روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: النكاح بغير خطبة كاليد الجذماء (1).
وعن علي بن الحسين عليهما السلام: إذا حمد الله فقد خطب (2).
وروى معاوية بن حكيم قال: خطب الرضا عليه السلام بهذه الخطبة:
(الحمد لله الذي حمد في الكتاب نفسه، وافتتح بالحمد كتابه، وجعل الحمد أول جزاء محل نعمته (3) وآخر دعوى أهل جنته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده

(١) دعائم الإسلام: ج ٢ فصل ٣ ذكر اختطاب النساء، ص ٢٠٣ ذيل حديث ٧٤٣ (٢) الكافي: ج ٥ باب التزويج بغير خطبة ص 368 ذيل حديث 2.
(3) قوله (محل نعمته) الظاهران يكون مصدرا ميميا بمعنى النزول، أي جعله أول جزاء من العباد لنعمه، ثم بعد ذلك ما أمرهم به من الطاعات، ويحتمل أن يكون المراد به أن ما حمد به تعالى نفسه جعله جزاء لنعم العباد، لعلمه بعجزهم عما يستحقه تعالى من ذلك، كما ورد في بعض الأخبار، وقال الطبرسي رحمه الله في مجمع البيان. (ودعواهم فيها) أي دعاء المؤمنين وذكرهم في الجنة أن يقولوا (سبحانك اللهم) يقولون ذلك لا على وجه العبادة، بل يتلذذون بالتسبيح، وقيل: إنهم إذا مر بهم الطير في الهواء يشتهونه (قالوا سبحانك اللهم) فيأتيهم الطير ويقع مشويا بين أيديهم، وإذا قضوا منه الشهوة، قالوا:
(الحمد لله رب العالمين) فيطير الطير حيا كما كان، (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) ليس المراد أن ذلك يكون آخر كلامهم حتى لا يتكلمون بعده بشئ، بل المراد أنهم يجعلون هذا آخر كلامهم في كل ما ذكروه.
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»
الفهرست