إلى أنه لا يعمل بقول القائف بل يحكم بالولد الذي ادعاه اثنان لهما. واحتج لهم صاحب البحر بحديث الولد للفراش وقد تقدم. ووجه الاستدلال به أن تعريف المسند إليه واللام الداخلة على المسند للاختصاص يفيد أن الحصر، ويجاب بأن حديث الباب بعد تسليم الحصر المدعي مخصص لعمومه فيثبت به النسب في مثل الأمة المشتركة إذا وطئها المالكون لها. وروي عن الامام يحيى أن حديث القافة منسوخ، ويجاب بأن الأصل عدم النسخ، ومجرد دعواه بلا برهان كما لا ينفع المدعي لا يضر خصمه. وأما ما قيل من أن حديث مجزز لا حجة فيه لأنه إنما يعرف القائف بزعمه أن هذا الشخص من ماء ذاك لا أنه طريق شرعي فلا يعرف إلا بالشرع، فيجاب بأن في استبشاره صلى الله عليه وآله وسلم من التقرير ما لا يخالف فيه مخالف، ولو كان مثل ذلك لا يجوز في الشرع لقال له إن ذلك لا يجوز. (لا يقال) أن أسامة قد ثبت فراش أبيه شرعا، وإنما لما وقعت القالة بسبب اختلاف اللون وكان قول المدلجي المذكور دافعا لها لاعتقادهم فيه الإصابة وصدق المعرفة استبشر صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، فلا يصح التعلق بمثل هذا التقرير على إثبات أصل النسب . لأنا نقول: لو كانت القافة لا يجوز العمل بها إلا في مثل هذه المنفعة مع مثل أولئك الذين قالوا مقالة السوء لما قرره صلى الله عليه وآله وسلم على قوله: هذه الاقدام بعضها من بعض وهو في قوله هذا ابن هذا، فإن ظاهره أنه تقرير للالحاق بالقافة مطلقا لا إلزام للخصم بما يعتقده. ولا سيما والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينقل عنه إنكار كونها طريقا يثبت بها النسب حتى يكون تقريره لذلك من باب التقرير على مضي كافر إلى كنيسة ونحوه مما عرف منه صلى الله عليه وآله وسلم إنكاره قبل السكوت عنه، ومن الأدلة المقوية للعمل بالقافة حديث الملاعنة المتقدم حيث أخبر صلى الله عليه وآله وسلم بأنها إن جاءت به على كذا فهو لفلان، وإن جاءت به على كذا فهو لفلان، فإن ذلك يدل على اعتبار المشابهة. لا يقال: لو كان ذلك معتبرا لما لاعن بعد أن جاءت بالولد مشابها لأحد الرجال وتبين له صلى الله عليه وآله وسلم ذلك حتى قال: لولا الايمان لكان لي ولها شأن. لأنا نقول: إن النسب كان ثابتا بالفراش وهو أقوى ما يثبت به فلا تعارضه القافة لأنها إنما تعتبر مع الاحتمال فقط، ولا سيما بعد وجود الايمان التي شرعها الله تعالى بين المتلاعنين ولم يشرع في اللعان غيرها، ولهذا جعلها صلى الله
(٨١)