وقال أبو حنيفة: بل يستوون إذ المعين كالقاتل. واختلفوا هل يقدم الصلب على القتل أو العكس؟ فذهب الشافعي والناصر والامام يحيى إلى أنه يقدم الصلب على القتل، إذ المعنى يقتلون بالسيف أو بالصلب. وقال الهادي وأبو حنيفة وهو مروي عن الشافعي رحمه الله، أنه لا صلب قبل القتل لأنه مثله. وجعل الهادي أو بمعنى الواو ولذلك قال بتقدم القتل على الصلب. وقال بعض أصحاب الشافعي: يصلب قبل القتل ثلاثا ثم ينزل فيقتل. وقال بعض أصحاب الشافعي أيضا: يصلب حتى يموت جوعا وعطشا.
وقال أبو يوسف والكرخي: يصلب قبل القتل ويطعن في لبته وتحت ثديه الأيسر ويخضخض حتى يموت. وروى الرازي عن أبي بكر الكرخي أنه لا معنى للصلب بعد القتل. واختلفوا في مقدار الصلب فقال الهادي: حتى تنتثر عظامه. وقال ابن أبي هريرة:
حتى يسيل صديده. وقال بعض أصحاب الشافعي: ثلاثا في البلاد الباردة، وفي الحارة ينزل قبل الثلاث. وقال الناصر والشافعي: ينزل بعد الثلاث ثم يقتل إن لم يمت ويغسل ويصلى عليه إن تاب. وقد رجح صاحب البحر أن الآية للتخيير وتكون العقوبة بحسب الجنايات، وأن التقدير أن يقتلوا إذا قتلوا، ويصلبوا بعد القتل إذا قتلوا وأخذوا المال، وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إذا أخذوا فقط، أو ينفوا من الأرض إذا أخافوا فقط، إذ محاربة الله ورسوله بالفساد في الأرض متنوعة كذلك، وهو مثل تفسير ابن عباس المذكور في الباب. وقال صاحب المنار: إن الآية تحتمل التخيير احتمالا مرجوحا. قال: والظاهر أن المراد حصر أنواع عقوبة المحاربة مثل: * (إنما الصدقات للفقراء) * (التوبة: 60) الآية. قال: وهو مثل ما قاله صاحب البحر يعني في كلامه الذي ذكرناه قبل هذا. ورجح صاحب ضوء النهار اختصاص أحكام المحارب بالكافر لتتم فوائد وتندفع مفاسد ثم ذكر ذلك، وهو كلام رصين لولا أنه قصر للعام على السبب المختلف في كونه هو السبب، وللعلماء في تفصيل أحكام المحاربين أقوال منتشرة مبسوطة في كتب الخلاف، وقد أوردنا منها في هذا الشرح طرفا مفيدا.