أهل الشام في ذلك فقالوا: ابعثوا حكما منكم وحكما منا ويحضر معهما من لم يباشر القتال فمن رأوا الحق معه أطاعوه، فأجاب علي ومن معه إلى ذلك، وأنكرت ذلك الطائفة التي صارت خوارج وفارقوا عليا وهم ثمانية آلاف، وقيل كانوا أكثر من عشرة آلاف، وقيل ستة آلاف، ونزلوا مكانا يقال له حروراء بفتح الحاء المهملة وراءين مهملتين الأولى مضمومة، ومن ثم قيل لهم الحرورية، وكان كبيرهم عبد الله بن الكواء بفتح الكاف وتشديد الواو مع المد اليشكري، وشيث بفتح الشين المعجمة والموحدة بعدها مثلثة التميمي، فأرسل إليهم علي ابن عباس فناظرهم فرجع كثير منهم معه، ثم خرج إليهم علي فأطاعوه ودخلوا معه الكوفة ومعهم رئيساهم المذكوران، ثم أشاعوا أن عليا تاب من الحكومة ولذلك رجعوا معه، فبلغ ذلك عليا فخطب وأنكر ذلك، فتنادوا من جانب المسجد: لا حكم إلا لله، فقال : كلمة حق يراد بها باطل، فقال لهم: لكم علينا ثلاث أن لا نمنعكم من المساجد ولا من رزقكم من الفئ ولا نبدأكم بقتال ما لم تحدثوا فسادا، وخرجوا شيئا بعد شئ إلى أن اجتمعوا بالمدائن، فراسلهم علي في الرجوع فأصروا على الامتناع حتى يشهد على نفسه بالكفر لرضاه بالتحكيم ويتوب، ثم راسلهم أيضا فأرادوا قتل رسوله، ثم اجتمعوا على أن من لا يعتقد معتقدهم يكفر ويباح دمه وماله وأهله، واستعرضوا الناس فقتلوا من اجتاز بهم من المسلمين، ومر بهم عبد الله بن خباب بن الأرت واليا لعلي على بعض تلك البلاد ومعه سريته وهي حامل فقتلوه وبقروا بطن سريته عن ولد، فبلغ عليا فخرج إليهم في الجيش الذي كان هيأه للخروج إلى الشام، فأوقع بهم في النهروان ولم ينج منهم إلا دون العشرة، ولا قتل ممن معه إلا نحو العشرة، فهذا ملخص أول أمرهم، ثم انضم إلى من بقي منهم ممن مال إلى رأيهم فكانوا مختفين في خلافة علي حتى كان منهم ابن ملجم لعنه الله الذي قتل عليا رضي الله عنه بعد أن دخل في صلاة الصبح. ثم لما وقع صلح الحسن ومعاوية ثارت منهم طائفة فأوقع بهم عسكر الشام بمكان يقال له النخيلة وكانوا منقمعين في إمارة زياد وابنه طول مدة ولاية معاوية وابنه يزيد لعنهم الله، وظفر زياد وابنه بجماعة منهم فأبادهم بين قتل وحبس طويل، فلما مات يزيد ووقع الافتراق وولي الخلافة عبد الله بن الزبير وأطاعه أهل الأمصار إلا
(٣٤٠)