أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم: إما أن ينفقوا وإما أن يطلقوا ويبعثوا نفقة ما حبسوا. قوله: ما كان عن ظهر غنى فيه دليل على أن صدقة من كان غير محتاج لنفسه إلى ما تصدق به بل مستغنيا عنه أفضل من صدقة المحتاج إلى ما تصدق به، ويعارضه حديث أبي هريرة عند أبي داود والحاكم يرفعه: أفضل الصدقة جهد من مقل. وقد فسره في النهاية بقدر ما يحتمله حال قليل المال، وحديث أبي هريرة أيضا عند النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه واللفظ له والحاكم وقال على شرط مسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سبق درهم مائة ألف درهم، فقال رجل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: رجل له مال كثير أخذ من عرضه مائة ألف درهم فتصدق بها، ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ أحدهما فتصدق بها فهذا تصدق بنصف ماله. الحديث، ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى: * (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) * (الحشر: 9) ويؤيد الأول قوله تعالى: * (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) * (الاسراء: 29) ويمكن الجمع بأن الأفضل لمن كان يتكفف الناس إذا تصدق بجميع ماله أن يتصدق عن ظهر غنى، والأفضل لمن يصبر على الفاقة أن يكون متصدقا بما يبلغ إليه جهده وإن لم يكن مستغنيا عنه، ويمكن أن يكون المراد بالغنى غنى النفس كما في حديث أبي هريرة عند الشيخين وغيرهما: ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس. قوله: اليد العليا هي يد المتصدق واليد السفلى يد المتصدق عليه هكذا في النهاية. وسيأتي في باب النفقة على الأقارب ما يدل على هذا التفسير. قوله: وابدأ بمن تعول أي بمن تجب عليك نفقته. قال في الفتح: يقال عال الرجل أهله إذا مانهم أي قام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة وفيه دليل على وجوب نفقة الأولاد مطلقا. وقد تقدم الخلاف في ذلك وعلى وجوب نفقة الأرقاء وسيأتي.
قوله: تقول أطعمني وإلا فارقني استدل به وبحديث أبي هريرة الآخر على أن الزوج إذا أعسر عن نفقة امرأته واختارت فراقه فرق بينهما. وإليه ذهب جمهور العلماء كما حكاه في فتح الباري، وحكاه صاحب البحر عن الإمام علي رضي الله عنه وعمر وأبي هريرة والحسن البصري وسعيد بن المسيب وحماد وربيعة ومالك وأحمد بن حنبل والشافعي والامام يحيى. وحكى صاحب الفتح عن الكوفيين أنه يلزم المرأة الصبر وتتعلق النفقة بذمة الزوج. وحكاه في البحر عن عطاء والزهري والثوري والقاسمية