هريرة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا قال الحافظ: وهو صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر، وذكر الدارقطني أن عبد الرزاق تفرد بوصله، وأن هشام بن يوسف رواه عن معمر فأرسله. وقد وصله الحاكم من طريق آدم بن أبي إياس عن ابن أبي ذئب فقويت رواية معمر، قال القاضي عياض: لكن حديث عبادة أصح إسنادا، ويمكن الجمع بينهما أن يكون حديث أبي هريرة ورد أولا قبل أن يعلمه الله ثم أعلمه بعد ذلك، وهذا جمع حسن، لولا أن القاضي ومن تبعه جازمون بأن حديث عبادة المذكور كان بمكة ليلة العقبة لما بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البيعة الأولى بمنى، وأبو هريرة إنما أسلم بعد ذلك بسبع سنين عام خيبر فكيف يكون حديثه متقدما؟ ويمكن أن يجاب بأن أبا هريرة لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما سمعه من صحابي آخر كان سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم قديما، ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك أن الحدود كفارة كما سمع عبادة، ولا يخفى ما في هذا من التعسف، على أنه يبطله أن أبا هريرة صرح بسماعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن الحدود لم تكن نزلت إذ ذاك، ورجح الحافظ أن حديث عبادة المذكور لم يقع ليلة العقبة، وإنما وقع في ليلة العقبة ما ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لمن حضر من الأنصار: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم فبايعوه على ذلك، وعلى أن يرحل إليهم هو وأصحابه. وقد ثبت في الصحيح من حديث عبادة أنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره الحديث ساقه البخاري في كتاب الفتن من صحيحه. وأخرج أحمد والطبراني من وجه آخر عن عبادة أنها جرت له قصة مع أبي هريرة عند معاوية بالشام فقال: يا أبا هريرة إنك لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على السمع والطاعة والنشاط والكسل، وعلى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول بالحق ولا نخاف في الله لومة لائم، وعلى أن ننصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قدم علينا يثرب فنمنعه مما نمنع به أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنة، الحديث. قال الحافظ: والذي يقوي أن هذه البيعة المذكورة في حديث
(٢٠٦)