وإنما يكون بهذه الصفة من غلبه الضعف فإنما أمر عليه السلام بذلك فيمن لا يستطيع ثباتا على الدابة وليس للشيخ هنالك معنى أصلا، وأيضا فإنه ليس للشيخ حد محدود إذا بلغه المرء سمى شيخا ولم يسم شيخا حتى يبلغه، ودين الله تعالى لا يتسامح (1) فيه ولا يؤخذ بالظنون الكاذبة المفتراة المشروع بها ما لم يأذن به الله تعالى، ولو كان للشيخ في ذلك حكم لبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حده الذي به ينتقل حكمه إلى أن يحج عنه كما أثبت ذلك فيمن (2) لا يستطيع الثابت على الراحلة ولا المشي إلى الحج، فصح انه ليس للشيخ في ذلك حكم أصلا وإنما الحكم للعجز عن الركوب والمشي فقط وبالله تعالى التوفيق، فكان هذا استطاعة للسبيل مضافة إلى القوة بالجسم وبالمال * قال أبو محمد: فتعلل قوم في هذه الآثار بخبر رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق الشيباني عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس (أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأحج عن أبي؟ قال: نعم ان لم تزده خيرا لم تزده شرا) (3) قالوا:
فهذا دليل على أنه ندب لافرض * قال على: وهذا لا حجة لهم فيه لأنه ليس فيه ان أباه كان ميتا ولا أنه كان عاجزا عن الركوب والمشي ولا أنه كان حج الفريضة بل إنما هو سؤال مطلق عن الحج عن غيره ممن هو ممكن أن يكون قد حج عن نفسه أو أنه قادر على الحج فاجابه عليه السلام بإباحة ذلك وإنما في (4) هذا الخبر جواز الحج عن كل أحد ولا مزيد وهو قولنا، وأما تلك الأحاديث ففيها بيان انها في الحج الفرض، وأيضا فليس قوله عليه السلام: (ان لم تزده خيرا لم تزده شرا) بمخرج لذلك عن الفرض إلى التطوع لأن هذه صفة كل عمل مفترض أو تطوع ان لم يتقبل من المرء فإنه على كل حال لا يكتب له به سيئة، فبطل اعتراضهم بهذا الخبر * وقالوا: قال الله تعالى: (وأن ليس للانسان الا ما سعى) قال على: هذه سورة مكية بلا خلاف، وهذه الأحاديث كانت في حجة الوداع فصح ان الله تعالى بعد ان لم يجعل للانسان الا ما سعى تفضل على عباده وجعل لهم ما سعى فيه غيرهم عنهم بهذه النصوص الثابتة * وقال بعضهم: قال الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) قال على: إذا أمر الله تعالى ان تزر وازرة وزر أخرى لزم ذلك وكان مخصوصا من هذه الآية، وقد أجمعوا معنا على أن العاقلة لم تقتل وانها تعزم عن القاتل ولم يعترضوا على ذلك بهذه الآية وليس