والناس أجمعين لا يقبل كالله منه صرفا ولا عدلا) (1)، وقوله عليه السلام مثل هذا فيمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا وهذا صحيح، وإنما فيه الوعيد على من كاد أهلها ولا يحل كيد مسلم فليس فيه أنها أفضل من مكة، وقد قال تعالى عن مكة: (ومن يدر فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) فصح الوعيد على من ظلم بمكة كالوعيد على من كاد أهل المدينة * ومنها قوله عليه السلام: (لا يثبت أحد على لأوائها (2) وشدتها الا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة) فإنما في هذا الحض على الثبات على شدتها وأنه يكون لهم شفيعا وليس في هذا دليل على فضلها على مكة، وقد صح أنه عليه السلام يشفع لجميع أمته، وقد قال عليه السلام (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة)، وهذا لا يكون الا بمكة فهذا أفضل من الشفاعة التي يدخل فيها كل بر وفاجر من المسلمين * ومنها قوله عليه السلام:
(اللهم حبب الينا المدينة كحبنا مكة أو أشد) فليس في هذا دليل على فضلها على مكة وإنما دعا عليه السلام بهذا كما ترى في أحد الامرين. اما ان يحببها إليهم كحبهم مكة. وإما أشد من حبهم مكة. والله أعلم أي الامرين أجيب به دعاؤه عليه السلام، وحب البلد يكون للموافقة والألفة وليس في هذا فضل على مكة * ومنها قوله عليه السلام: (لقاب قوس (3) أحدكم من الجنة أو موضع قيد - يعنى سوطه - خير منم الدنيا وما فيها)، وقوله عليه السلام: (بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي) وأرادوا أن يثبتوا من هذا ان مكة من الدنيا فموضع قاب قوس من تلك الروضة خير من مكة فليس هذا كما ظنوه، ولو كان كذلك لكانت مصر والكوفة وهيت خيرا من مكة. والمدينة * وروينا عن مسلم نا محمد بن عبد الله بن نمير نا محمد بن بشر نا عبيد الله - هو ابن عمر - عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: (سيحان. وجيحان. والفرات. والنيل كل من أنهار الجنة) (4) وهذا مالا يقوله مسلم:
ان هذه البلاد من أجل ما فيها من أنهار الجنة خير من مكة والمدينة * قال أبو محمد: وهذان الحديثان ليس على ما يظنه أهل الجهل من أن تلك الروضة قطعة منقطعة من الجنة وأن هذه الأنهار مهبطة من الجنة هذا باطل وكذب لان الله تعالى يقول في الجنة: (إن لك ان لا تجوع فيها ولا تعرى وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) فهذه صفة الجنة بلا شك وليست هذه صفة الأنهار المذكورة ولا تلك الروضة، ورسول الله عليه السلام لا يقول الا الحق، فصح أن كون تلك الروضة من الجنة إنما