لا يمتري فيه الا مستخف بالنبي عليه السلام أنه عليه السلام لم يعن بالمدينة تنفى الخبث إلا في خاص من الناس، وفي خاص من الزمان لا عام * وقد جاء كلامنا هذا نصا كما روينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا عبد العزيز يعنى الدراوردي عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث: (ألا ان المدينة كالكير يخرج الخبث (1) لا تقوم الساعة حتى تنفى المدينة شرارها كما ينفى الكير خبث الحديد) * ومن طريق أحمد بن شعيب نا إسحاق ابن إبراهيم هو ابن راهويه - نا عمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة عن أنس بن مالك (أن رسول الله عليه السلام قال: ليس بلد الا سيطؤه الدجال الا المدينة ومكة على كل نقب من أنقاب المدينة الملائكة صافين يحرسونها فينزل السبخة فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج إليه منها كل منافق وكافر) (2) وهذا نفس قولنا وليس في هذا كله انها أفضل من مكة لا بنص. ولا بدليل * ومعنى قوله عليه السلام (ما من بلد إلا سيطؤه الدجال الا مكة والمدينة) إنما هو سيطؤه أمره وبعوثه لا يمكن غير هذا، وسكان المدينة اليوم أخبث الخبث وإنا لله وإنا إليه راجعون على مصيبتنا في ذلك، فبطل تمويههم بهذا الخبر * ومنها قوله عليه السلام (يفتح اليمن فيأتي قوم يبسون (3) بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) وذكر مثل هذا حرفا حرفا في فتح الشام، وفتح العراق، وقوله عليه السلام (يأتي على الناس زمان يدعوا الرجل ابن عمه وقريبه هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء والمدينة خير لهم لو كانوا يعملون والذي نفسي بيده لا يخرج أحر منهم رغبة عنها الا أخلف الله فيها خيرا منه) * قال أبو محمد: إنما أخبر عليه السلام بأن المدينة خير لهم من اليمن. والشام. والعراق.
وبلاد الرخاء وهذا لاشك فيه وليس فيه فضلها على مكة ولا ذكر لمكة أصلا * وأما اخباره عليه السلام أيضا بأن المدينة خير من هذه البلاد لهم فإنما هو أيضا في خاص لا عام وهو من خرج عنها طلب رخاء، أو لعرض دنيا، وأما من خرج عنها لجهاد. أو لحكم بالعدل، أو لتعليم الناس دينهم فلا، بل الذي خرجوا له أفضل من مقامهم بالمدينة *