قال أبو محمد: أما هذه الأقوال فظاهرة الفساد، ولم يبق الكلام الا في تخصيص الخبر المذكور من (هذه) (1) الآية وإلحاق ما عدا ما ذكر في هذا الخبر بالتحريم، أو تخصيص الآية وإلحاق ما عدا ما ذكر فيها بالخبر المذكور، أو ان نحكم بما في الآية وبما في الخبر ونطلب حكم ما لم يذكر فيهما من غير هذين النصين * قال على: فكان الوجهان الأولان متعارضين ليس أحدهما أولى من الآخر، وأيضا فان إلحاق ما لم يذكر (2) في الآية بما ذكر فيها أو الحاق ما لم يذكر في الخبر بما ذكر فيه قياس (3)، والقياس كله باطل، وتعد لحدود الله (ومن يتعد حدود الله قد ظلم نفسه)، وشرع في الدين بما لم يأذن به الله تعالى وهذا لا يحل، فلم يبق الا الوجه الثالث فكان هو الحق لأنه هو الائتمار لله تعالى ولرسوله عليه السلام وترك تعد لحدودهما * فنظرنا في ذلك فوجدنا الله تعالى إنما حرم في الاحرام والحرم قتل الصيد وجعل على من قتله وهو حرم بالعمد الجزاء فوجب القول بذلك، ووجدنا رسول الله عليه السلام قد أخبر بأن المحرم يقتل الخمس المذكورات وأنه لا جناح في قتلهن في حرم، أو إحرام فوجب القول بذلك، ثم نظرنا فيما عدا الخمس المذكورات مما ليس صيدا فوجدنا الكلام فيهما في موضعين، أحدهما قتلها، والثاني هل في قتلها جزاء أم لا؟ فنظرنا في إيجاب الجزاء في ذلك فوجدناه باطلا لا إشكال فيه لأنه ليس في هذا الخبر دليل على إيجاب جزاء في ذلك أصلا ولا شئ من النصوص كلها، فكان القول بذلك شرعا في الدين لم يأذن به الله تعالى، فبطل جملة والحمد لله رب العالمين * (4) ثم نظرنا في قتلها فوجدنا من منع منه يقول: اقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على جواب السائل عما يقتل المحرم على هذه الخمس دليل على أن ما عداها بخلافها؟، ولولا ذلك لكان كلامه عليه السلام غير مستوعب لجواب السائل ولا مبين له حكم ما سأل عنه، وحاشا له من هذا، ووجدنا من أباح قتلها يقول: اقتصار الله تعالى على المنع من قتل الصيد خاصة بقوله تعالى: (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) دليل على أن ما عدا الصيد بخلاف الصيد في ذلك ولولا ذلك لكان كلامه تعالى غير مستوعب لما يحرم عليا ولا مبين لنا حكم ما ألزمنا إياه وحاشا له من ذلك، فكان هذان الاستدلالان متقابلين فلا بد (5) من النظر فيهما * فأول ما نقول: إن اليقين من كل مسلم قد صح بأن الله تعالى قد بين لنا ما ألزمنا وأن
(٢٤٢)