رسول الله عليه السلام قد بين لنا ما ألزمنا الله تعالى ولم يجز لنا تعدى ما نصه علينا ربنا تعالى ونبينا عليه السلام، فوجدنا الآية فيها حكم الصيد وليس فيها حكم غيره لا بتحريم، ولا بإباحة، ووجدنا الخبر الذي فيه ذكر الخمس المحضوض على قتلها في الحرم والاحرام والحل ليس فيه حكم غيرها لا بتحريم، ولا بإباحة فلم يجز أن يضاف إلى هذه الآية ولا إلى هذا الحديث ما ليس فيهما، فوجب النظر فيما لم يذكر فيهما وطلب حكمه من غيرهما فوجدنا الحيوان قسمين سوى ما ذكر في الآية والخبر، فقسم مباح قتله كجميع سباع الطير وذوات الأربع. والخنازير. والهوام. والقمل. والقردان. والحيات. والوزغ. وغير ذلك مما لا يختلف أنه لا حرج في قتله، وقسم محرم قتله بنصوص واردة فيه كالهدهد.
والصرد. والضفادع. والنحل. والنمل، فوجب ان يحمل كل ذلك على حكمه كما كان وان لا ينقل بظن قد عارضه ظن آخر وبغير نص جلى، فهذا هو الحق الذي لا يجوز تعديه * (فان قيل): فان مالا يحل أكله قد يصيده المرء ليطعمه جوارحه قلنا:
هذا باطل لان الله تعالى قد نص علينا حكم الصيد بقوله تعالى: (ليبلونكم الله بشئ من الصيد تناله أيديكم و رماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم). و بقوله تعالى:
(فإذا حللتم فاصطادوا) فصح أن المحلل لنا إذا حللنا هو المحرم علينا إذا أحرمنا وانه تصيد ما علمنا الله عز وجل حكمه الذي بالتزامه يتبين من يخاف ربه تعالى فيلتزم ما أمر به في صيده ويجتنب ما نهى عنه فيه ممن لا يخاف ربه فيعتدى ما أمره به تعالى، وليس هذا بيقين الا فيما تصيد للاكل وما علمنا قط في لغة ولا شريعة أن الجرى خلف الخنازير والأسد وقتلها يطلق عليه اسم صيد * (فان قيل): فما وجه اقتصار رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الخمس؟ قلنا وبالله تعالى التوفيق: ظاهر الخبر يدل على أنها محضوض على قتلهن مندوب إليه ويكون غيرهن مباحا قتله أيضا وليس هذا الخبر مما يمنع أن يكون غير الخمس مأمورا بقتله أيضا كالوزغ. والأفاعي.
والحيات. والرتيلا (1). والثعابين، وقد يكون عليه السلام تقدم بيانه في هذه فاكتفى عن اعادتها عند ذكره الخمس الفواسق، ولم يكن تقدم ذكره لهن، فلولا هذا الخبر ما علمنا الحض على قتل الغراب. ولا تحريم أكله وأكل الفأرة. والعقرب فله أعظم الفائدة ولله تعالى الحمد * وقد قلنا: إن هذا الحجاج كله لا مدخل في شئ لأبي حنيفة ولا لمالك لأنهم زادوا على الخمس دواب كثيرة، ومنعوا من قتل دواب كثيرة بالرأي الفاسد المجرد، فلا بالآية تعلقوا ولا بالحديث *