قال أبو محمد: وههنا قولان آخران، أحدهما قوم قالوا: لحم الصيد حلال للمحرم ما لم يصده هو أو يصد له، واحتجوا بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: (خرجت مع رسول الله عليه السلام زمن الحديبية فأحرم أصحابي ولم أحرم فرأيت حمار وحش فحملت عليه فاصطدته فذكرت شأنه للنبي عليه السلام وذكرت أنى لم أكن أحرمت فأمر أصحابه فأكلوا ولم يأكل منه حين أخبرته انى اصطدته له * وبما رويناه من طريق عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب عن جابر بن عبد الله قال:
قال رسول الله عليه السلام: (صيد البر لكم حلال وأنتم حرم الا ما اصطدتم وصيد لكم) فروينا هذا عن عثمان وأنه أتى بصيد وهو وأصحابه محرمون فأمرهم بأكله ولم يأكله هو فقال له عمرو بن العاصي: يا عجبا لك تأمرنا ان نأكل مما لست آكلا فقال عثمان: ان أظن إنما صيد من أجلى فأكلوا ولم يأكل، وهو قول مالك * قال أبو محمد: أما خبر جابر فساقط لأنه عن عمرو بن أبي عمرو وهو ضعيف، وأما خبر أبي قتادة قان معمرا رواه كما ذكرنا، ورواه عن يحيى بن أبي كثير معاوية بن سلام، وهشام الدستوائي كلاهما يقول فيه. عن يحيى حدثني عبد الله بن أبي قتادة ولا يذكران ما ذكر معمر، ولم يذكر فيه معمر سماع يحيى له من عبد الله بن أبي قتادة، ورواه أيضا شعبة عن عثمان بن عبد الله بن موهوب عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى فلم يذكر فيه ما ذكر معمر، ورواه أيضا أبو محمد مولى أبى قتادة عن أبي قتادة فلم يذكر فيه ما ذكر معمر، ورواه أبو حازم عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة فذكر أن رسول الله عليه السلام أكل منه * فلا يخلو العمل في هذا من ثلاثة أوجه. اما ان تغلب رواية الجماعة على رواية معمر لا سيما وفيهم من يذكر سماع يحيى من ابن أبي قتادة ولم يذكر معمرا، أو تسقط رواية يحيى بن أبي كثير جملة لأنه اضطرب عليه ويؤخذ برواية أبى حازم. وأبى محمد. وابن موهب الذين لم يضطرب عليهم لأنه لا يشك ذو حس ان إحدى الروايتين وهم، إذ لا يجوز أن تصح الرواية في أنه عليه السلام أكل منه وتصح الرواية في أنه عليه السلام لم يأكل منه وهي قصة واحدة في وقت واحد في مكان واحد في صيد واحد ويؤخذ بالزائد وهو الحق الذي لا يجوز تعديه * فنظرنا في ذلك فوجدنا من روى عن عبد الله بن أبي قتادة (أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أكل منه) قد أثبت خبرا وزاد علما على من روى عنه انه عليه السلام لم يأكل منه فوجب الاخذ بالزائد ولابد وترك رواية من لم يثبت ما أثبته غيره، و بالله تعالى التوفيق * وأما فعل عثمان فإننا روينا من طريق سعيد بن منصور انا ابن وهب انا عمرو بن الحارث