قال على: وهذا الاحتجاج في غاية الغثانة ويقال لهم: (نعم) (1) فكان ماذا؟
ومن أين وجب من هذا أن يكون أهل المواقيت فما وراءها إلى مكة هم حاضرو المسجد الحرام؟ وهل هذا التخليط إلا كمن قال: وجدنا كل من كان في أرض الاسلام ليس له ان يطلق سيفه - فيمن لقى - وغارته؟، ووجدنا من كان في دار الحرب له ان يطلق سيفه وغارته، فصح ان لأهل (دار) (2) الاسلام حكما غير حكم غيرها فوجب من ذلك أن يكون جميع أهل دار الاسلام حاضرو المسجد الحرام، ثم يقال له: ان الحاضر عندكم يتم الصلاة والمسافر يقصرها فإذا كان أهل ذي الحليفة. والجحفة حاضري المسجد الحرام - وهم عندكم يقصرون إلى مكة ويفطرون - فكيف يكون الحاضر يقصر ويفطر؟ * والعجب كله ان جعل من كان في ذي الحليفة ساكنا من حاضري المسجد الحرام وبينهم وبين مكة نحو مائتي يل، وجعل من كان ساكنا خلف يلملم ليس من حاضري المسجد الحرام وليس بينه وبينها إلا ثلاثة وثلاثون ميلا فهل في التخليط أكثر من هذا؟ وانا لله وانا إليه راجعون إذ صارت الشرائع في دين الله تعالى تشرع بمثل هذا الرأي * وأما قول مالك: فتخصيصه ذا طوى قول لا دليل عليه ولا نعلم هذا القول عن أحد قبل مالك، وأما قول الشافعي: فإنه بنى قوله ههنا على قوله فيما تقصر فيه الصلاة، وقوله هنالك خطأ فبنى الخطأ على الخطأ، ويقال لهم: أنتم تقولون: لا يجوز التيمم للحاضر المقيم أصلا ويجوز لمن كان على ميل ونحوه من منزله، فهلا جعلتم حاضري المسجد الحرام قياسا على من يجوز له التيمم؟، وهذا مالا انفكاك منه، وهذا مما خالف فيه الحنيفيون. والمالكيون.
والشافعيون صاحبا لا يعرف له مخالف من الصحابة وهم يشنعون بهذا * وأما قول سفيان. وداود: فوهم منهما لان الله تعالى لم يقل. حاضري مكة وإنما قال تعالى: (حاضري المسجد الحرام) فسقطت مراعاة مكة ههنا وصح ان المراعى ههنا إنما هو المسجد الحرام فقط، فإذ ذلك كذلك فواجب ان نطلب مراد الله تعالى بقوله (حاضري المسجد الحرام) لنعرف من ألزمه اله تعالى الهدى أو الصوم ان تمتع ممن لم يلزمه الله تعالى ذلك فنظرنا فوجدنا لفظة المسجد الحرام لا تخلو من أحد ثلاثة وجوه (3) لا رابع لها: اما أن يكون الله تعالى أراد الكعبة فقط، أوما أحاطت به جدران المسجد فقط، أم أراد الحرم كله لأنه لا يقع اسم مسجد حرام الا على هذه الوجوه فقط، فبطل أن يكون الله تعالى أراد الكعبة فقط لأنه لو كان ذلك لكان لا يسقط الهدى الا عمن أهله في