وعمومه بعد رجوعه من الحج الموجب عليه ذلك الصيام وبالله تعالى التوفيق (فان قيل) فقد رويتم من طريق البخاري عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن الزهري (1) عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبين الصفا. والمروة ويقصر ويحل ثم ليهلل بالحج (2) فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله) قلنا:
نعم والرجوع إلى أهله يقع على وجهين، أحدهما المشي إلى بلده، والآخر الرجوع إلى أهله وان حل له فيها ما كان له حراما بالعمل للحج، ولا يجوز تخصيص اللفظ إلا بنص أو اجماع فحمله على كل ما يقع عليه اسم رجوع هو الواجب، فان صام السبعة إذا رجع إلى أهله من تحريمها عليه فذلك جائز وان صامها إذا رجع بالمشي فذلك جائز * قال أبو محمد: فإن لم يصم الثلاثة الأيام حتى أتم الحج فقد روينا عن عمر بن الخطاب انه يعود عليه الهدى وصح ذلك (3) عن ابن عباس وهو قول عطاء، وطاوس، ومجاهد، والنخعي، والحكم * وروى عنه أيضا ان عليه هديين، هدى المتعة، وهدى لتأخيره، ولم يصح عنه، وبه يأخذ أبو حنيفة وأصحابه * وقال مالك والشافعي: يصومهن بعد الحج وهذا قول روى عن علي ولم يصح عنه، وقال سعيد بن جبير: يطعم عن الثلاثة الأيام ويصوم السبعة * قال على: ولا حجة في أحد مع الله تعالى. ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد نص عز وجل على أن من لم يجد الهدى صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، فصح يقينا ان من لم يجد هديا. ولا ثمنه ان فرضه الصوم المذكور وانه لاهدى عليه فإذ هو كذلك بيقين وبلا خلاف من أحد فلا يجوز سقوط فرضه الواجب عليه، وايجاب هدى قد جاء القرآن بسقوطه عنه بقول مختلف فيه لا يصححه قرآن. ولا سنة، ولا يجزئه أيضا أن يصوم الثلاثة الأيام في غير الوقت الذي افترض الله تعالى عليه صيامها فيه بقول مختلف فيه لا يصححه قرآن، ولا سنة، وعمر، وابن عباس يقولان: لا يصوم بعد، وعلى يقول: لا يهدى بعد، وسعيد بن جبير يقول: لا يهدى ولا يصومهن لكن يطعم، وغيره لا يرى الاطعام، فلم يصح ايجاب صومهم أو هدى. أو اطعام بغير إجماع ولا نص بل النص مانع (4) منهما وغير موجب للاطعام، وقد وجدنا الله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وهو ليس في وسعه أن يصوم الثلاثة الأيام في وقت قد فات، فصح انه ليس مكلفا بعد ما ليس في وسعه من ذلك، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)