والأطماع ربما تغلب على النفوس، والأقوياء يغلب على طباعهم الاستبداد في الرأي وتحقير الضعفاء والمستضعفين وعدم الاعتناء بهم، فلابد من المراقبة والتفتيش عنهم، كما كان يصنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام).
فعن الريان بن الصلت، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا وجه جيشا فأمهم أمير بعث معه من ثقاته من يتجسس له خبره " (1).
وأمير المؤمنين (عليه السلام) لم يكتف بالأمر بانتخاب العمال من أهل التجربة والحياء والقدم في الإسلام، بل أوجب مع ذلك أن تبعث عليهم عيون تبلغ من الصدق والوفاء حدا يكتفى بأخبارهم في خيانة العمال، وأوجب عقوبة الخائن وتذليله. فهذا الذي يحكم أساس الملك والحكومة ويوجب انجذاب الأمة إلى الدولة ودفاعها عنها، لا ما قد يتوهم من الإغماض والتغاضي عن تقصيرات المسؤولين وخياناتهم باسم الدفاع عن الدولة.
وكان هو بنفسه يراقب عماله بعيونه. ويدل عليه ما ورد في كتبه إلى عماله من بلوغ أخبارهم إليه مع بعد المسافة بين البلاد وعدم وسائل الإعلام والأخبار الموجودة في عصرنا.
1 - ففي كتابه إلى ابن عباس على ما قيل: " أما بعد فقد بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت ربك وعصيت إمامك وأخزيت أمانتك، بلغني إنك جردت الأرض فأخذت ما تحت قدميك وأكلت ما تحت يديك فارفع إلي حسابك " (2).
2 - وفي كتابه إلى زياد حين كان خليفة لابن عباس عامله على البصرة:
" وإني أقسم بالله قسما صادقا لئن بلغني أنك خنت من فيئ المسلمين شيئا صغيرا