قال محمد بن إدريس رحمه الله أعجب منه رحمه الله، كيف قال في أول كلامه - وهذا القول عندي هو المعتمد، وبه تشهد الروايات - ثم قال في آخر كلامه، وبابه - مع أنه قد رويت الرواية الصريحة في الأول - كانت جماعة روايات، وبالأخير رواية واحدة فحسب، ثم هذه الروايات التي قال عنها في أول كلامه وادعاها، أين أودعت؟ وفي أي تصنيف ذكرت؟ ثم إنه رحمه الله قد صنف كتبا أخبارية أكبرها تهذيب الأحكام، أورد فيه من كل غث وسمين، وهو الذي يومي إليه ويعتمد عليه، وما أورده فيه ولا ذكر سوى الرواية الواحدة التي رواها مخالفونا في المذهب، وهو إسماعيل بن أبي زياد السكوني بفتح السين، منسوب إلى قبيلة من العرب عرب اليمن وهو عامي المذهب بغير خلاف، وشيخنا أبو جعفر موافق على ذلك، قايل به، ذكره في فهرست المصنفين (1)، وله كتاب يعد في الأصول، وهو عندي بخطي كتبته من خط ابن اشناس البزاز وقد قرئ على شيخنا أبي جعفر، وعليه خطه إجازة وسماعا لولده أبي علي، ولجماعة رجال غيره، فإن كان شيخنا أبو جعفر عاملا بأخبار الآحاد، فلا يجوز له أن يعمل بهذه الرواية إذا سلمنا له العمل بأخبار الآحاد تسليم جدل، على ما يقترحه وذكره في عدته، وإن كان مخالفا لإجماع أصحابنا سلفهم وخلفهم، حتى أن المخالفين من أصحاب المقالات يذكرون في كتبهم ومقالات أهل الآراء والمذاهب، أن الشيعة الإمامية لا ترى العمل في الشرعيات بأخبار الآحاد، وشيخنا المفيد ذكر ذلك أيضا في كتاب المقالات (2) الذي صنفه، ومذهب السيد المرتضى ومقالته في ذلك، فأشهر من أن يذكر، وما أظن خفي على هذين السيدين الأوحدين العالمين مقالة أهل مذهبهما، بل ربما لم يكن لأصحابنا في المتقدمين والمتأخرين أقوم منهما بمعرفة المقالات، وتحقيق أصول المذهب، ومعرفة الرجال، وخصوصا شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان رحمه الله فإنه خريت هذه الصناعة.
(٢٨٩)