ومتى وقف الإنسان على أحد الأجناس ممن ذكرناهم، فإن كانوا كثيرين في البلاد، منتشرين، كان ذلك مقصورا على من يحضر البلد الذي فيه الوقف، دون غيره من البلدان.
ومتى وقف الإنسان شيئا في وجه من الوجوه، أو على قوم بأعيانهم، ولم يشرط بعد انقراضهم عوده على شئ بعينه، كان متى انقرضوا ولم يبق منهم أحد، راجعا ميراثا على أقرب الناس من آخر المنقرضين من أرباب الموقوف عليهم، لأنه مال من أموال الموقوف عليهم، يورث كما يورث ساير الأملاك والأموال، ولا يجوز عوده على ورثة الواقف، ولا على الواقف نفسه بحال من الأحوال، لأنه بالوقف خرج من ملكه، وانتقل إلى ملك الموقوف عليه بغير خلاف بيننا، فعوده إليه بعد ذلك يحتاج إلى دليل، ولا دليل عليه من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع منعقد، وهذا مذهب شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان، في مقنعته (1).
وقال شيخنا أبو جعفر، في نهايته، ومتى وقف الإنسان شيئا في وجه من الوجوه، أو على قوم بأعيانهم، ولم يشرط بعد انقراضهم عوده على شئ بعينه، فمتى انقرض أرباب الوقف، رجع الوقف على ورثة الواقف (2).
وهذا قول مرغوب عنه، لأنه لا دليل عليه بحال.
وقال رحمه الله في مسائل خلافه، مسألة إذا وقف على من يصح انقراضه في العادة، مثل أن يقف على ولده، وولد ولده، وسكت على ذلك، فمن أصحابنا من قال لا يصح الوقف، ومنهم من قال يصح، فإذا انقرض الموقوف عليه، رجع إلى الواقف إن كان حيا، وإن كان ميتا رجع إلى ورثته، وبه قال أبو يوسف، وللشافعي فيه قولان، أحدهما لا يصح، والآخر يصح، فإذا انقرضوا رجع إلى أبواب البر، ولا يعود إليه، ولا إلى ورثته، دليلنا أن عوده إلى البر بعد انقراض الموقوف عليه، يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه، والأصل بقاء الملك عليه، أو