وذهب بعض أصحابنا إلى أن ما يوجب الحدود فإن كان العالم بما يوجبه الإمام، فعليه الحكم بعلمه، لكونه معصوما مأمونا، وإن كان غيره من الحكام الذين يجوز عليهم الكذب، لم يجز له الحكم بمقتضاه، وتمسك بأن قال: لأن إقامة الحد أولا ليست من فروضه، ولأنه بذلك شاهد على غيره بالزنا واللواط أو غيرهما، وهو واحد، وشهادة الواحد بذلك قذف يوجب الحد، وإن كان عالما يوضح ذلك أنه لو علم ثلاثة نفر غيرهم زانيا، لم يجز لهم الشهادة عليه، فالواحد أحرى أن لا يشهد عليه.
قال محمد بن إدريس رحمه الله مصنف هذا الكتاب، وما اخترناه أولا هو الذي يقتضيه الأدلة، وهو اختيار السيد المرتضى في انتصاره (1) واختيار شيخنا أبي جعفر في مسائل خلافه (2)، وغيرهما من الجلة المشيخة وما تمسك به المخالف لما اخترناه، فليس فيه ما يعتمد عليه، ولا ما يستند إليه، لأن جميع ما قاله وأورده يلزم في الإمام مثله حرفا فحرفا.
فأما قوله إقامة الحدود ليست من فروضه، فعين الخطأ المحض عند جميع الأمة، لأن الحكام جميعهم هم المعينون (3) بقوله تعالى " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " (4) وكذلك قوله تعالى " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " (5) إلى غير ذلك من الآيات.
أيضا كان يؤدي إلى أن جميع الحكام في جميع البلدان النواب عن رئيس الكل (6)، لا يقيم أحد منهم حدا في عمله، بل ينفذ المحدود إلى البلد الذي فيه الرئيس المعصوم، ليقيم الحد عليه، وهذا خروج عن أقوال جميع الأمة (7)، بل المعلوم السائغ (8) المتواتر أن للحكام إقامة الحدود في البلد الذي كل واحد منهم نائب فيه من غير توقف في ذلك (9).