ذلك المشهود عليه، ولم يكن لهم على الآخر سبيل، ولا يبطل هاهنا القود، لأنه لا دليل عليه من كتاب ولا سنة متواترة، بل الكتاب قاض بالقود مع البينة، في قوله تعالى " فقد جعلنا لوليه سلطانا " (1) فمن عمل بهذه الرواية، أبطل حكم الآية رأسا، ولا وجه لأخذ الدية منهما جميعا لأنهما غير مشتركين في القتل، لأن البينة عليهما، بخلاف ذلك، لأنها تشهد بقتل كل واحد منهما على الانفراد، دون الاجتماع والاشتراك.
ويحقق ذلك ويزيده بيانا المسألة التي تأتي بعد ذلك، وهو من شهد عليه بالقتل، ثم أقر آخر بالقتل، فللأولياء أن يقتلوا من شاؤوا منهما بغير خلاف، فإذا لا فرق بين الموضعين، لأن الإقرار كالبينة، والبينة، كالإقرار في ثبوت الحقوق الشرعية التي تتعلق بحقوق بني آدم، فليلحظ ذلك.
فإذا قامت البينة على رجل، بأنه قتل رجلا عمدا، وأقر آخر بأنه قتل ذلك المقتول بعينه عمدا، كان أولياء المقتول مخيرين في أن يقتلوا أيهما شاؤوا، فإن قتلوا المشهود عليه، فليس لهم على الذي أقر سبيل، ويرجع أولياء الذي شهد عليه، على الذي أقر بنصف الدية، فإن اختاروا قتل الذي أقر، قتلوه، وليس لهم على الآخر سبيل، وليس لأولياء المقتول المقر على نفسه، على الذي قامت عليه البينة سبيل.
وإن أراد أولياء المقتول قتلهما جميعا قتلوهما معا ويردون على أولياء المشهود عليه نصف الدية، وليس عليهم أكثر من ذلك.
فإن طلبوا الدية، كانت عليهما نصفين، على الذي أقر، وعلى الذي شهد عليه الشهود.
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته (2).
ولي في قتلهما جميعا نظر، لأن الشهود ما شهدوا بأنهما اشتركا في قتل المقتول، ولا المقر أيضا أقر باشتراكهما في قتله، وإنما كل واحد منهما ببينة من الشهود، أو الإقرار، تؤذن بأنه قتله على الانفراد، دون الآخر، فكيف يقتلان معا، وما تشاركا في القتل، وإنما لو تشاركا في قتله، لأقدناهما (3)، ولو كانوا ألفا، بعد أن يرد ما فضل عن ديته،