النفس إلى ما تشاهده والمشاهدة ليست بصورة كلية بل صورة جزئية.
فلا بد وأن يكون للنفس علم إشراقي حضوري ليس بصورة.
ومن العرشيات الإلهامية لإثبات هذا المطلب أن النفس في مبدأ فطرتها خالية عن العلوم الانتقاشية كلها بلا ريب. ولا خفاء في أن استعمال الآلات يتوقف على العلم بالآلات.
فلو كان ذلك العلم بالارتسام لزم توقفه على استعمال الآلات المتوقف على العلم بالآلات وهكذا يعود الكلام فإما أن يدور أو يتسلسل وهما محالان. فأول علوم النفس هو علمها بذاتها ثم علمها بقوى البدن والآلات التي هي الحواس الظاهرة والباطنة.
وهذان العلمان إنما هما علمان من العلوم الحضورية.
ثم بعد هذين العلمين ينبعث عن ذات النفس بذاتها استعمال الآلات بدون تصور هذا الفعل الذي هو استعمال الآلات والتصديق بفائدته فإن هذا الاستعمال ليس فعلا اختياريا بمعنى كونه حاصلا بالقصد والروية وإن كانت النفس عالمة به مريدة له.
لأن إرادة ذلك الفعل إنما ينبعث عن ذاتها لا عن رويتها.
فذاتها بذاتها موجبية لاستعمال الآلات لا بإرادة اختيارية زائدة عليها قائمة بها بل لما كانت ذاتها في آن وجودها عالمة بذاتها وعاشقة لها ولفعلها عشقا ناشيا عن الذات لذاتها اضطرت إلى استعمال الآلات التي لا قدرة لها إلا عليه.
وبهذا التحقيق اندفع ما قيل من أن استعمال الحواس فعل اختياري وصدور كل فعل اختياري مسبوق بالتصور والتصديق بفائدة ما فوجب أن يحمل قبل استعمال الآلات صورة تصورية وتصديقية.
وذلك لأن نسبتي صدور استعمال الآلات وعدمه ليستا متساويتين. ليلزم الاحتياج إلى المرجح من تصور الفعل والتصديق بالغاية قبل الاستعمال بل المرجح والمقتضي ذات النفس فينبعث الاستعمال عن الشوق الذاتي الذي هو عين ذاتها الدراكة الفعالة.
فلا يكون مسبوقا بتصور ذلك الفعل بل صدور ذلك الجزئي عن