شرط كل إدراك أن يكون بصورة ذهنية.
وذلك لأن العاقل يدرك نفسه بعين ذاته يعني صورته التي هو بها هو لا بصورة على ذاته كما يظهر لمن راجع وجدانه في علمه بذاته فإن كل إنسان يدرك ذاته على وجه يمنع فيه الشركة. ولو كان هذا الإدراك بصورة حاصلة في النفس فهي كلية وإن كانت مجموع كليات تختص جملتها بنفس واحدة فلا يخرج عن احتمال صدقها على كثيرين.
وأيضا النفس تشير إلى ذاتها ب أنا وإلى ما عداها وإن كان أمرا قائما بها ب هو لكونه زائدا عليها.
فعلم النفس بذاتها ليس سوى ذاتها.
وربما يدرك غيره أيضا لا بحصول صورة منه ذهنية كما تدرك النفس المجردة بدنها الخاص الذي تحركه وتصرف فيه وقوته المتفكرة التي تستخدمها في تفصيل الجزئيات وتركيبها وترتيب الحدود الوسطى.
وبذلك الاستخدام تنتزع الكليات من الجزئيات وتأخذ النتائج من المقدمات فتدرك تلك الأشياء جميعا.
وكذلك تدرك قوتها الوهمية والخيالية الشخصيتين لا بوهم وخيال آخرين مع أن الوهم ينكر نفسه.
ولو كان إدراك النفس لتلك الأمور بصورة مأخوذة عنها لأدركتها على الوجه الكلي كما ذكرنا من أن كل صورة في النفس فهي كلية وإن تخصصت أيضا من كليات كثيرة ولا يمنع الشركة لنفسها.
ومما يؤكد أن لنا علوما لا نحتاج فيها إلى صورة أخرى غير حضور ذات المدرك ما قيل من أنا نتألم بتفرق اتصال وقع في عضو من أعضائنا ونشعر به وليس ذلك بأن تفرق الاتصال يحصل له صورة أخرى في ذلك العضو أو في غيره بل المدرك نفس تفرق الاتصال والألم المحسوس بذاته لا بصورة تحصل منه.
فيدل على أن من الأشياء المدركة ما يكفي في إدراكه مجرد حضور ذاته للنفس أو لأمر له تعلق حضوري خاص بالنفس.
ومن الشواهد الدالة على ما ذكرنا أعني ثبوت العلم الحضوري أن صورة ما قد تحصل في آلة إدراكية والنفس لا تشعر بها كما إذا استغرقت في فكرة أو فيما يؤديه حاسة أخرى.
فلا بد من التفات النفس إلى تلك الصورة فالإدراك ليس إلا بالتفات