الأول: أن الفعل للفاعل قد يكون في غيره والقبول للقابل لا يكون في غيره.
فجهة الفعل غير جهة القبول.
والثاني: أنها لو كانت من جهة واحدة لكان كل ما فعل بنفسه قبل وكل ما قبل بنفسه فعل.
والوجود يكذبه.
الثالث أن الفاعل هو الذي يقتضي وجود المعلول ويجعله واجب الحصول ويوجده وإن توقف وجود المعلول على بواقي العلل أيضا. والقابل بما هو قابل لا يقتضي المعلول ولا يجعله واجب الحصول وليس له إلا التهيؤ والاستعداد والاستحقاق لوجود المقبول.
فنسبة الفاعل إلى مفعوله بالوجوب ونسبة القابل إلى مقبوله بالإمكان.
والوجوب الذي اقتضاه الفاعلية مبطل للقوة التي اقتضاها القابلية ولا يبطل شيء لذاته ما اقتضاه لذاته فهما جهتان.
فثبت أن الواجب تعالى لو اتصف بصفة متقررة في ذاته اختلف الحيثيتان وهاتان الحيثيتان إما أن تكونا لازمتين له أو مقومتين أو الواحد منهما مقومة والأخرى لازمة.
وعلى التقديرات يلزم تركب ذات الواجب الحقيقي.
أما على الشقين الأخيرين فواضح.
وأما على الشق الأول فنعيد الكلام إلى صدورهما بأن نقول إنهما لا يصدران إلا بجهتين مختلفتين أيضا فإما أن يتسلسل الأمر إلى ما لا نهاية له أو ينتهي إلى جهتين مقومتين لذاته تعالى عنه علوا كبيرا.
هذا ما ذكروه في بيان عينية صفاته تعالى الحقيقية.
وفيه نظر أما أولا فلأنا نقول إن هاهنا اشتباها من باب أخذ القبول بمعنى الانفعال التجددي مكان القبول بمعنى مطلق الاتصاف.
والبرهان لا يساعد إلا نفي الأول دون الثاني إذ الحيثيتان المتغايرتان المستدعيتان للجهتين في ذاته تعالى المكثرتان إنما هما الفعل والانفعال التجددي لا الفعل والقبول مطلقا.
بل لقائل أن يقول صفاته تعالى لوازم ذاته ولوازم الذات لا يستدعي جعلا مستقلا بل جعلها تابع لجعل الذات وجودا وعدما فإن كانت الذات مجعولة كانت لوازمها مجعولة بذلك الجعل. وإن كانت الذات غير مجعولة كانت لوازمها غير مجعولة باللاجعل الثابت للذات.