الفاعل.
فكما أن الفاعل يوجب وجود المعلول في نفسه فكذلك يوجب وجوده لغيره. بل وجود المقبول في نفسه هو بعينه وجوده للقابل.
وعن الثاني بأن التنافي بين الإيجاب واللاإيجاب والاقتضاء واللااقتضاء في ذات واحدة من جهة واحدة متحقق لا يخفى على المنصف المتأمل فمنعه مستندا بأن الفاعل يوجب المعلول والقابل لا يسلب هذا الوجوب مكابرة.
كيف والمنافاة التي ادعيناها إنما يظهر صحتها إذا كان القابل بعينه هو الفاعل.
إذ القابل وإن لم يتصف بسلب الإيجاب الناشي عن الفاعل لكنه متصف بسلب الإيجاب الناشي عنه.
فلا يمكن أن يكونا شيئا واحدا من جهة واحدة.
ولا يذهب عليك أن هذا ليس بحثا على السند الأخص بل هو بيان للمقدمة على وجه يدفع السند.
ثم لا يخفى عليك أن هذا الكلام وإن دفع هذا الاعتراض على الدليل المذكور لكن لا يجدي نفعا لأصل المقصود.
إذ الدليل المذكور وإن ثبت به تعدد جهتي الفعل والقبول لكن بشرط أن يكون المراد من القبول التهيؤ والاستعداد.
وأما القبول بمعنى مطلق الموصوفية بأمر زائد متقرر في الذات سواء كان لازما للمحل أو غير لازم فإثبات كونه مخالف الحيثية مع الفعل حتى يلزم منه نفي الصفات الزائدة عن الباري تعالى فغير معلوم مما ذكر من الدليل على ما مر آنفا.
قال الشيخ الرئيس في التعليقات: إن كانت الصفات عارضة لذاته تعالى فوجود تلك الصفات إما عن سبب من خارج ويكون واجب الوجود قابلا له ولا يصح أن يكون واجب الوجود لذاته قابلا لشيء فإن القبول لما فيه معنى ما بالقوة.
وإما أن يكون تلك العوارض يوجد فيه عن ذاته فيكون إذن قابلا كما هو فاعل.
اللهم إلا أن يقال تلك الصفات والعوارض لوازم ذاته فإنه حينئذ لا يكون ذاته موضوعة لتلك الصفات لأنها موجودة فيه بل لأنها عنه. وفرق بين أن يوصف جسم بأنه أبيض لأن البياض يوجد فيه من خارج وبين أن يوصف بأنه أبيض لأن البياض يوجد من لوازمه.
وإذا أخذت حقيقة الأول على هذا الوجه ولوازمه على هذه الجهة استمر هذا المعنى فيه.
وهو أنه لا كثرة فيه وليس هناك قابل وفاعل. بل من حيث هو قابل فاعل.