الطريق واستبطؤوا ثمرته واستبعدوا اجتماع شروطه وزعموا أن محو العلائق إلى ذلك الحد كالمتعذر وإن حصل في حالة فثباته أبعد إذ أدنى وسواس وخاطر يشوش القلب قال رسول الله ص: قلب المؤمن أشد تقلبا من القدر في غليانه وقال: قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء.
وفي أثناء هذه المجاهدة قد يفسد المزاج ويخطل العقل ويمرض البدن وإذا لم يتقدم رياضة البدن وتهذيبها بحقائق العلوم تشبث بالقلب خيالات فاسدة تطمئن النفس إليها مدة طويلة إلى أن يزول والعمر ينقضي دون النجاح فيه. فكم من صوفي سلك هذه الطريق ثم بقي في خيال واحد عشرين سنة ولو كان قد أتقن العلوم من قبل لا نفتح له وجه التباس ذلك الخيال في الحال فالاشتغال بطريق التعلم أوثق وأقرب إلى الغرض.
وزعموا أن ذلك يضاهي ما لو ترك الإنسان تعلم الفقه وزعم أن النبي ص لم يتعلم ولكن صار فقيها بالوحي والإلهام من غير تكرار وتعليق فإنا أيضا ربما ننتهي بالرياضة إليه.
ومن ظن ذلك فقد ظلم نفسه وضيع عمره بل هو كمن ترك طريق الكسب والحراسة رجاء العثور على كنز فإن ذلك ممكن ولكنه بعيد جدا فكذلك هذا. فقالوا: لا بد من تحصيل ما حصله العلماء وفهم ما قالوه ثم لا بأس بعد ذلك بالانتظار لما لم ينكشف لسائر العلماء فسعاه أن ينكشف بالمجاهدة بعد ذلك جلية كنه الأشياء. وزيادة تحقيق الفرق بين المسلكين أنه لما كانت حقائق الأشياء مسطورة في العالم العقلي المسمى باللوح المحفوظ بل في قلوب الملائكة المقربين فكانت العناية الأزلية منشئة مقتضية لوجود العالم على وفق المعلوم علما أزليا إلهيا فعليا فكما أن المهندس يسطر صورة أبنية الدار في نسخة ثم يخرجها إلى الوجود على وفق تلك النسخة فكذلك فاطر السماوات والأرض كتب نسخة العالم من أوله إلى آخره ثم أخرجه على وفق تلك النسخة.
والعالم الذي خرج إلى الوجود بصورته يتأدى منه