أولي البصيرة أمور مكنونة عن المحجوبين بالخيال عن العقليات وإن لم يكن الصور التي أدركتها النفس بسبب اتصالها بالمبادي الرفيعة لحصول فراغتها عن البدن أو ضبطها للجانبين فهذا إن كان في حالة النوم فهو الذي يقال له أضغاث أحلام على الحقيقة وهو المنام الكاذب وقد ذكروا له أسبابا.
الأول أن ما يدركه الإنسان في حالة اليقظة من المحسوسات يبقى صورته في الخيال فعند النوم ينتقل من الخيال إلى الحس المشترك فيشاهد هو بعينه إن لم يتصرف فيه المتخيلة أو ما يناسبه إن تصرف فيه.
والثاني أن المفكرة إذا التفت صورة انتقلت تلك الصورة عنها عند النوم إلى الخيال ثم منه إلى الحس المشترك.
الثالث إذا تغير مزاج الروح الحامل للقوة المتخيلة تغيرت أفعالها بحسب تلك التغيرات على ما مر من التفصيل وإن كان أمثال هذه حاصلة في حال اليقظة فربما سميت أمورا شيطانية كاذبة وما يرى من الغول والجن والشياطين فقد يكون من تخيله وكونها كذلك لا ينافي وجودها الخارجي.
فإن الموجودات التي لها وجود في الخارج ربما يشاهد ويرى من هذا السبيل ولا ينافي وجودها على هذا الوجه وجودها الخارجي لأن الخيال يظهرها وإن لم يكن منطبعة فيه.
وهذا الذي ذكرناه من التفصيل أيضا مبناه على طريقة المشائين من إنكار وجود الصور الغائبة عن الحواس في عالم غير هذا العالم لأنه أنسب بمذاق الظاهريين من العلماء.
والحق عندنا أن الأمور التي يتراءى لأرباب الشهود وأصحاب الكشف الكلام فيها غير مسلم لتوابع المعلم الأول ومن يحذو حذوهم لأنهم غفلوا عن عالمين عظيمين ولم يدخلوا في بحوثهم وأنظارهم هما عالم المثل الأفلاطونية التي هي جنة المقربين وعالم الأشباح المثالية التي منقسمة إلى جنة السعداء وجحيم الأشقياء كل