صورة أخرى إلى الحواس والخيال.
فإن من نظر إلى السماء والأرض ثم قبض بصره يرى صورة السماء والأرض في خياله حتى كأنه ينظر إليها ولو انعدمت السماء والأرض في نفسها كأنه يشاهدها وينظر إليها ثم يتأدى من خياله أثر إلى العقل فيحصل فيه حقائق الأشياء التي دخلت في الحس والخيال.
فالحاصل في العقل الإنساني موافق للعالم الموجود في نفسه خارجا من خيال الإنسان وعقله.
والعالم الموجود موافق للنسخة الموجودة في اللوح العقلي وهو سابق وجوده في القدر والصور المثالية وهو سابق على وجوده الجسماني ويتبعه وجوده الخارجي ويتبع وجوده الخيالي وهو يتبع وجوده العقلي أعني وجوده في القوة العاقلة الإنساني المتحدة بالعقل الفعال على ما بيناه آنفا.
وبعض هذه الوجودات عقلية وبعضها مثالية وبعضها حسية فكان الوجود عقلا ثم نفسا ثم حسا ثم جسما فدار على نفسه فصار حسا ثم نفسا ثم عقلا فارتقى إلى ما هبط منه والله هو المبدأ والغاية.
فانظر يا إنسان إلى الحكمة الإلهية كيف جعل هذه المراتب من الوجود والطبقات في ذاتك فخلق فيك شبه الإبداعي عقلا ونفسا وحسا وبدنا ثم أثبت فيك بواسطة الحس مع صغر حجمه صورة العالم والسماوات والأرض على اتساع أكنافها ثم سرى من وجودها في الحس وجودا في الخيال ثم منه وجودا في العقل فإنك أبدا لا تدرك إلا ما هو واصل إليك أو قائم بك على النحو الذي علمت منا أن تصور الأشياء وتمثلها في صقع من الجوهر النطقي فلو لم يجعل الواجب للعالم كله مثالا في ذاتك لما كان لك خبر مما يباين ذاتك. فسبحان من دبر هذه العجائب في القلوب والأبصار ثم أعمى عن دركها القلوب والأبصار حتى صار قلب أكثر الخلق جاهلا بالقلب وبعجائبه.
فلنعد إلى ما كنا فيه فنقول: القوة العاقلة من الإنسان يتصور أن يحصل فيه