الأمزجة يتأثر من الأوهام إما بأوهام عامية أو بأوهام شديدة التأثير في بدو الفطرة أو متدرجة بالتعويد والرياضات إلى ذلك فلا عجب أن يكون لبعض النفوس قوة إلهية يكون بقوتها كأنها نفس العالم ليطيعها العنصر طاعة بدنها سيما وقد علمت أن الأجسام مطيعة للمجردات بل هي ظلال لها وعكوس منها. فكلما ازدادت النفس تجردا وتشبها بالمبادي القصوى ازدادت قوة وتأثيرا في ما دونها وإذا صار مجرد التصور والتوهم سببا لحدوث هذه التغيرات في الهيولى البدن وليس ذلك لكون النفس منطبعة فيه بل لعلاقة طبيعية شوقية وتعلق حبي جبلي لها إليه فكان ينبغي أن يؤثر في البدن الغير وفي هيولى العالم مثل هذا التأثير لأجل مزيد قوة شوقية واهتزار علوي للنفس ومحبة إلهية لها وشفقة على خلق الله شفقة الوالد لولده والأم لولدها فيؤثر نفسه في إصلاحها وإهلاك ما يضرها ويفسدها.
فكما أن الخاصية الثانية يوجد بوجه غير مرضي في نفوس الأشرار والناقصين فكذا هذه الخاصية يوجد شيء منها في بعض النفوس القوية فيتعدى أثرها في بدن آخر حتى يفسد الروح بالتوهم ويقتل الإنسان أو غيره من الحيوانات ويعبر عن ذلك بإصابة العين ولذلك قال النبي ص العين يدخل الرجل في القبر والجمل في القدر.
وقال ص أيضا: العين حق... ومعناه أنه يستحسن الجمل مثلا ويتعجب منه وتكون النفس خبيثة حسودة فيتوهم سقوط الجمل وينفعل جسم الجمل عن توهمه وتسقط في الحال. وإذا كان هذا ممكنا فما ظنك بنفوس عظيمة شديدة القوى كيف لا يتعدى تأثيرها عن بدنها وعالمها الصغير وهي يصلح لأن تكون نفس العالم ورئيس القوى الطبيعية ومستخدمها فيؤثر في هيولى العالم بإحداث حرارة وبرودة وحركة وجمع وتفريق وأصول الاستحالات والانقلابات في عالمنا السفلي إنما ينبعث من الحرارة والحركة كما سبق في حوادث الجو ومثل هذا يعبر بالكرامة والمعجزة عند الناس. والخاصية الأولى أفضل أجزاء النبوة عند الخواص ولهذا كان أعظم معجزات نبينا ص القرآن وهو مشتمل على المعارف الإلهية وحقائق المبدإ والمعاد على وجه عجز عن دركها إلا الأقلين من العلماء الراسخين من أمته وفيه الإخبار عن المغيبات والأفعال