حقيقة العالم وهيئة الوجود تارة من جهة اقتباس الحواس وتارة من اللوح المحفوظ والألواح القدرية ورأى الأشياء فيها فاستغنى عن الاقتباس من مداخل الحواس.
فإذن للقلب بابان باب مفتوح إلى عالم الملكوت فهو اللوح المحفوظ وعالم الملائكة العلمية والعملية بإذن الله.
وباب مفتوح إلى القوة المدركة والمحركة بإذن الله المتمسك بعالم الشهادة والملك فهو جالس في الحد المشترك بين عالم المعقولات وعالم المحسوسات له وجه إلى ذاك ووجه إلى هذا.
وأما وجه القلب إلى عالم الشهادة وبابه المفتوح إلى الاقتباس من الحواس فلا يخفى عليك أن عالم الملك والشهادة أيضا حكاية ومثال لعالم الملكوت نوعا من المحاكاة.
وأما وجهه إلى عالم الملكوت وبابه الداخلي المفتوح إلى مطالعة اللوح المحفوظ والذكر الحكيم فيعلمه علما يقينيا في عجائب الرؤيا واطلاع القلب في النوم على ما سيكون في المستقبل أو كان في الماضي من غير اقتباس في جهة الحواس.
فإن الرؤيا الصادقة دالة على وجود جوهر مطلع على الجزئيات والكليات وهو المراد من اللوح المحفوظ والذكر الحكيم.
وإنما ينفتح ذلك الباب لمن توجه إلى عالم الغيب وأفرد ذكر الله على الدوام.
روي عن النبي ص أنه قال: سبق المفردون قيل: ومن هم قال: المستهزون بذكر الله تعالى وضع الذكر أوزارهم فوردوا خفافا ثم قال في وصفهم:
أقبل عليهم بوجهي أترى من واجهته بوجهي يعلم أحد أي شيء أريد أن أعطيه ثم قال:
أول ما أعطيه أن أقذف من نوري في قلوبهم فيخبرون عني كما أخبرهم عني.
ومدخل هذه الإخبارات والإنذارات هو الباب الباطن فإذن الفرق بين علوم الأنبياء والأولياء وبين جمهور العلماء والحكماء يأتي من باب الحواس المفتوحة إلى عالم الملك.
هذا تمام ما لخصناه من كلام بعض أئمة العلم والشريعة أوردناه في هذا الفصل لكونه مشتملا على مزيد توضيح لما بيناه سابقا يوجب سهولة الأخذ للمتعلمين ومناسبا لما كنا فيه من أن علوم الأنبياء لدنية وأن النبوة موهبية لا كسبية.