وفي اليقظة أيضا قد ينقشع الحجاب بلطف خفي من الله فيلمع في القلب من وراء ستر الغيب شيء من غرائب الملكوت تارة كالبرق الخاطف وأخرى على التوالي إلى حد ما ودوامه في غاية الندور والشذوذ فلم يفارق الإلهام الاكتساب في نفس فيضان الصورة العلمية ولا في قابلها ومحلها ولا في سببها ومفيضها ولكن يفارقه في طريقة زوال الحجب وجهته ولم يفارق الوحي الإلهام في شيء من ذلك بل في الوضوح والنورية ومشاهدة الملك المفيد للصور العلمية فإن العلوم إنما يحصل في نفوسنا بواسطة الملائكة العلمية والعقول الفعالة. وإليه الإشارة بقوله تعالى: و ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فتكلم الله عباده إشارة إلى إفاضة العلوم على قلوبهم بوجوه متفاوتة كالوحي والإلهام والتعليم بواسطة الرسل والمعلمين.
إذا تمهد هذا ظهر الفرق بين طريقة أهل البحث وطريقة أهل التصرف في العلوم الإلهية دون التعلمية فلذلك اختاروا طريقة المجاهدة لمحو الصفات المذمومة وقطع العلائق كلها والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى ومهما حصل ذلك كان الله هو المتولي لقلب عبده والمتكفل بتنويره بأنوار العلوم وإذا تولى الله أمر القلب فاضت الرحمة وأشرق النور عليه وانشرح الصدور وانكشف له سر الملكوت وانقشع عن وجه القلب حجاب العزة بلطف الرحمة وتلألأ فيه حقائق الأمور الإلهية وقد رجع هذا الطريق إلى تطهير محض من جانبك وتصفية وجلاء ثم استعداد وانتظار فقط لما يفتح الله من الرحمة إذ الأنبياء والأولياء انكشف لهم الأمور وفاض على صدورهم النور لا بالتعلم والدراسة للكتب بل بالزهد في الدنيا والتبري عن علائقها والإقبال بكنه الهمة على الله فمن كان لله كان الله له.
وأما النظار وذو الاعتبار فلم ينكروا وجود هذا الطريق وإمكانه وإفضاءه إلى المقصد على الندور فإنه أكثر أحوال الأنبياء والأولياء ولكن استوعروا هذا