كانت نفسه عالية متصلة بالعالم العقلي أو العالم النفسي السماوي فيكون ما يراه في النوم إما نفس الأمر العقلي أو مثال حقيقي له غالبا.
وإن كانت سفلية متعلقة في الدنيا فأكثر ما يراه في النوم مجرد صورة خيالية لا معنى لها.
ووجه ذلك أن النفس الإنسانية ذات وجهين وجه إلى عالم الغيب والآخرة ووجه إلى عالم الشهادة والدنيا.
فإن كان الغالب عليها جهة القدس فلا بد أن يظهر فيها حقيقة بعض الأشياء من الوجه الذي يقابل الملكوت وعند ذلك تشرق نور أثره على الوجه الذي يقابل عالم الملك والشهادة.
لأن أحدهما متصل بالآخر كما أن الدنيا متصل بالآخرة.
وسيعلم أن جهة النفس التي إلى عالم الغيب هي مدخل الإلهام والوحي وجهتها التي إلى عالم الشهادة يظهر منها التصوير والتمثيل. فالذي يظهر من النفس في وجه الذي يلي جانب الشهادة لا يكون إلا صورة متخيلة لأن عالم الشهادة كلها متخيلات.
إذ الخيال على ضربين لأنه تارة يحصل من النظر في ظاهر عالم الشهادة بالحس فيرتقي إليه صورة المحسوس الخارجي.
وتارة يحصل من النظر إلى باطن عالم الغيب فنزل إليه صورة الأمر المعقول الداخلي.
ففي الأول يجوز أن لا يكون الصورة على وفق المعنى حتى يرى شخص جميل الصورة وهو خبث الباطن قبيح السر.
لأن عالم الشهادة كثير التلبيس لأجل أسباب العرضية والاتفاقية فيتفق لأجل الاتفاقات والأسباب الخارجية العرضية أن يصير رجل حسن المنظر قبيح السر لاكتساب السيئات وقبائح الأعمال المؤدية إلى المهلكات الصفات المنتجة لمرديات المهلكات وكذا بالعكس.
وأما الصورة التي يحصل في الخيال من إشراق عالم الملكوت على باطن سر النفس فلا يكون إلا محاكيا للصفة ومطابقا للمعنى وصورة حقيقية للأمر العقلي.
لأن الصورة في عالم الملكوت تابعة للمعنى والصفة فلا جرم لا يرى المعنى القبيح إلا بصورة قبيحة. فلا جرم يرى الملك مثلا في صورة جميلة ولا يرى الشيطان إلا بصورة قبيحة.
ولذا يرى الملك في صورة دحية الكلبي ويرى الشيطان في صورة كلب أو ضفدع أو خنزير أو غيره يكون تلك الصورة عنوان المعنى