سابقا فإن المفسدة وهي لزوم كون بدن واحد ذا نفسين بناء على استعداد القابل وجود المبدإ الفاعل وعدم تخصص الأجزاء المتفرقة من بين سائر الأجزاء والأجسام في لياقة كونها بدنا لتلك النفس مما لا شبهة في لزومها وورودها بل ربما يسوغ ويصح لقائل أن يقول: إن كثيرا من المواد التي لها مزاج خاص وكيفية قريبة من المزاج الإنساني أولى وأليق من تلك الأجزاء بأن يكون مورد تعلق النفس وكل من رجع إلى وجدانه يعلم يقينا أن لا تشوق ولا التفات للنفس بجسم من الأجسام أو أجزاء متفرقة من بين غيرها.
ولا يجوز أن يتعلق بجسم من بين سائر الأجسام أو أجزاء مخصوصة من بين سائر الأجرام أو أجزاء مخصوصة من بين سائر الأجزاء التي هي اشتركت معها في الهيئات والصفات من بين غيرها إلا بأن يكون لها كيفية محسوسة أو هيئة خاصة.
وأي تعلق وتشوق يكون للنفس بأجزاء مبثوثة في الهواء أو مغمورة في الأرض أو متصلة بالهواء بحيث لا يتميز عند الحس أو النفس عن غيرها من الأجزاء أو النفس وإن كانت متميزة عن غيرها في نفس الأمر وفي علم الله تعالى لكن هذا لا يكفي لرجحان تعلق النفس بها وليس أيضا عند انحلال التركيب وفساد القوى البدنية قوة ذاكرة للنفس عندهم حتى يكون بقاء البدن الشخصي في الذكر مخصصا لتعلق النفس به ثانيا وبعد تسليم وجود الذكر يكون الذكر مخصصا لتعلق هذه النفس بهذا البدن المعادي دون سائر الأبدان لا لتعلق هذه النفس دون نفس أخرى به.
والذي ينفع في الجواب عن لزوم مفسدة التناسخ على تقدير صحته هو الثاني دون الأول إذ الكلام في كون مادة بدنية حادثة مستدعيا لفيضان نفس حادثة فيلزم وجود نفسين لبدن واحد وهو آت بعينه هاهنا كما في باب التناسخ على ما سبق من غير تفاوت فإن الأجزاء المتفرقة ليس لها تخصص وامتياز بل لا يصدق عليها أنها هي التي كانت بدن زيد أو أجزاء بدنه إلا بضرب من التجوز فإن بدنية زيد وكذا جزئيته من الأمور الإضافية التي لا يتحقق إلا مع وجود زيد وقد عدم. وكما أن زيدا عدم بالموت فهكذا يده من حيث هي يد له وكذا رجله ورأسه وسائر أعضائه مع أنها لم يتفرق بعد فلم يبق رابطة بين البدن الذي كان موجودا والذي سيوجد من جانب