له قدم راسخ في المعارف الإلهية والأسرار القيومية ولا يمكنه أن يتجاوز عن استجلاء نظر الخلق وحب الرئاسة والاستيلاء على مآرب الدنيا والشهرة عند الناس لكن أكثر من رزق فطنة زكية يقوى بها على المباحثة والاستدلال لا يكتفي بالتقليد الذي يحصل به نوع من النجاة عن الضلال والإضلال والوبال في المآل بل يتشرف على شيء فوقه ويكثر تعبه في طلبه آناء الليل وأطراف النهار ويصرف عمره في تزايد النظر في المؤلفات وتكرير التأمل فيها فالأولى لمثله إذا اشتاق إلى أن يفهم المطالب العلمية بالبرهان اليقيني بعد أن عاد النظر في كتب القوم واستفاد كثيرا من فوائدهم وخصوصا ما وجد في كتب الشيخين أبي نصر وأبي علي في طريقة المشائين وكتب الشيخ الإلهي صاحب الإشراق أن يرجع إلى طريقتنا في المعارف والعلوم الحاصلة لنا بالممازجة بين طريقة المتألهين من الحكماء والمليين من العرفاء فإن ما تيسر لنا بفضل الله ورحمته وما وصلنا إليه بفضله وجوده من خلاصة أسرار المبدإ والمعاد مما لست أظن أن قد وصل إليه أحد ممن أعرفه من شيعة المشائين ومتأخريهم دون أئمتهم ومتقدميهم كأرسطو ومن سبقه ولا أزعم إن كان يقدر على إثباته بقوة البحث والبرهان شخص من المعروفين بالمكاشفة والعرفان من مشايخ الصوفية من سابقيهم ولا حقيهم وظني أن هذه المزية إنما حصلت لهذا العبد المرحوم من أمة المرحومة عن الواهب العظيم والجواد الرحيم لشدة اشتغاله بهذا المطلب العالي وكثرة احتماله عن الجهلة والأرذال وقلة شفقة الناس في حقه وعدم التفاتهم إلى جانبه حتى أنه كان في الدنيا مدة مديدة كئيبا حزينا ما كان له عند الناس رتبة أدنى من آحاد طلبة العلم ولا عند علمائهم الذين أكثرهم أشقى من الجهال قدر أقل من تلاميذهم وذلك لعدم معرفتهم بطريق التحصيل إلا من جهة القال والقيل وقلة شعورهم بالكمال والتكميل إلا من مدارسة الأباطيل إلى أن تداركني الرحمة الأزلية ولحقتنى الأضواء الأحدية
(٤٩٦)