للمذاهب بل أكثر الصالحين المتفكرين في ملكوت السماوات والأرض لأنهم محجوبون باعتقادات تقليدية جمدت في نفوسهم وترسخت في قلوبهم وصارت حجابا بينهم وبين درك الحقائق وهذا في مثالنا الحجاب المرسل بين المرآة والصورة.
الخامس الجهل بالجهة التي منها يقع العثور على المطلوب فإن طالب العلم ليس يمكنه أن يحصل العلم بالمجهول إلا بالتذكر للعلوم التي يناسب مطلوبه حتى إذا تذكرها ورتبها في نفسه ترتيبا مخصوصا يعرفه العلماء بطريق الاعتبار والتفطن بالمعارف فعند ذلك يكون قد عثر على جهة المطلوب فيستجلي فيه حقيقة المطلوب لنفسه فإن العلوم المطلوبة التي بها يحصل السعادة الأخروية ليست فطرية فلا يقتض إلا بشبكة العلوم الحاصلة بل كل علم فلا يحصل إلا عن علمين سابقين يتألفان ويزدوجان على وجه مخصوص فيحصل من ازدواجهما علم ثالث على مثال ما يحصل النتاج من ازدواج الفحل والأنثى. ثم كما أن من أراد أن يستنتج رمكة (1) لم يمكنه ذلك من حمار وبقرة بل من أصل مخصوص هو الفرس الذكر والأنثى إذا وقع ازدواج مخصوص بينهما فكذلك كل علم فله أصلان مخصوصان وبينهما طريق في الأزواج يحصل من ازدواجهما العلم المستفاد المطلوب فإن لكل شيء ممكن علة مخصوصة ولا يمكن حصول ذوي العلل إلا من طريق عللها وأصولها وكذا العلم بها فالجهل بأصول المعارف وبكيفية الازدواج والترتيب هو المانع من العلم ومثاله في المرآة هو الجهل للجهة التي فيها الصورة وعدم التوجه عدم محاذاتها إلى تلك الجهة بل مثاله أن يريد الإنسان أن يرى قفاه في المرآة فإنه يحتاج إلى مرآتين ينصب إحداهما وراء القفاء والأخرى في مقابلتها بحيث يبصرها ويراعي مناسبة مخصوصة بين وضع المرآتين حتى ينطبع صورة القفاء في المرآة المحاذية القفاء ثم ينطبع صورة هذه