والمنقول من جالينوس في أمر المعاد هو التوقف بناء على تردده في أمر النفس أنها هل هي المزاج فيفنى بالموت فلا يعاد أم هي جوهر مجردة باق بعد الموت ليكون لها المعاد ثم المتشبثين بأذيال العلماء من ضم إلى هذا أن المعدوم لا يعاد فإذا انعدم الإنسان بهيكله لم يمكن إعادته وامتنع الحشر.
والمتكلمون منعوا هذا بمنع امتناع إعادة المعدوم تارة وأخرى بمنع فناء الإنسان بفناء هيكله.
فقالوا ما حاصله: إن للإنسان أجزاء باقية متجزية أو غير متجزية ثم حملوا الآيات والنصوص الواردة في بيان الحشر على أن المراد جميع الأجزاء المتفرقة الباقية التي هي حقيقة الإنسان.
والحاصل أنهم التزموا أحد الأمرين المستبعدين عن العقل بل النقل ولا يلزم على أحد التزام شيء منهما بل الظاهر أن الآيات واردة لبيان إمكان عود بدن الإنسان بأجزائه وهو الذي نحن بصدد إثباته من ذي قبل إن شاء الله على أن المعاد في الآخرة هو الذي كان مصدرا للأفعال مكلفا بالتكليف العقلية والشرعية ثم لا يخفى على أحد أن عرق الشبهة لا ينقطع عن أراضي أوهام الجاحدين للقيامة إلا بقطع أصلها وهو أن الإنسان بموته يفنى ويبطل ولا يبقى وقد مر بيانه مستقصى.
واتفق المحققون من الفلاسفة والمليين على حقيقة ذلك المعاد لكنهم اختلفوا في كيفيته.
فذهب جمهور المتكلمين وعامة الفقهاء وأهل الحديث إلى أنه جسماني فقط بناء على أن الروح عندهم جسم سار في البدن سريان النار في الفحم والماء في الورد والزيت في الزيتونة وذهب جمهور الفلاسفة وأتباع المشائين إلى أنه روحاني فقط لأن البدن ينعدم بصورته وأعراضه فلا يعاد والنفس جوهر باق لا سبيل إليه الفناء فيعود إلى عالم المجردات لقطع التعلقات بالموت الطبيعي.
وذهب كثير من أكابر الحكماء ومشايخ العرفاء وجماعة من المتكلمين كحجة الإسلام الغزالي والكعبي والحليمي والراغب الأصفهاني والقاضي أبو يزيد الدبوسي وكثير من علماء الإمامية وأشياخنا الاثني عشرية كالشيخين المفيد وأبي جعفر والسيد المرتضى والعلامة الطوسي وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين إلى