المتألهة بالمشاهدة ليس لغيرهم إلا حكايته فإن البهجة تابعة للمشاهدة وحيث يخفى قدر المشاهدة يخفى قدر البهجة فكذلك حالنا في اللذة التي نعرف وجودها لنا إن شاء الله ولا نتصورها مشاهدة لكنا نعلم أنها إذا ارتاحت نفسنا في حياتنا الدنياوية إلى ذكر الله تعالى وفرحت بذكر صفاته العليا من كيفية علمه بجميع الأشياء على وجه لا يعتريها تكثر وتجدد وقدرته على جميع المقدورات بحيث لا يلحقها تغير ولا انفعال ولا فتور ولا إعياء وكيفية عينية صفاته لذاته وكيفية ترتيب الوجود منه على أليق نظام وأفضل هيئة لكانت لها مناسبة إليها يؤذن بأن تنال من السعادة عند الفراغ عن البدن قدرا يعتد به وخصوصا النفس التي أحكمت المسائل وأتقنت العلوم والمعارف على أتم وجه وأبلغه وأقل مراتب السعادة العقلية للنفوس بأن يكتسب هاهنا العلم بالأول تعالى ويعرف نحو وجوده وعنايته وعلمه وإرادته وقدرته وسائر صفاته والعقول الفعالة التي هي ملائكة الله ووسائط فيضه وجوده ويعرف النظام في العالم المبتدأ عن الباري المنتهي الأجسام والمواد ثم الراجع إليه مرتقيا إلى النبات والحيوان والإنسان وهلم إلى درجة العقل المستفاد المضي في المعاد ومن فاز بهذه المعارف فقد فاز فوزا عظيما ونال سعادة عقلية ونعمة سرمدية وخلص عن النقصية التي في فقدها بإزائها ولما علمت أن السعادة العقلية من جهتي العقل النظري والعقل العملي للإنسان وعلمت أن الشرف والفضيلة والزينة والكمال والسرور والغبطة للنفس إنما يحصل بسبب الجزء النظري الذي هو جهة ذاتها وحيثية هويتها. وأما ما يحصل لها بحسب الجزء العملي الذي هو جهة إضافتها إلى البدن وتوجهها إلى السفل وهو غير داخل في قوامها من حيث ذاتها بل إنما يقوم به من حيث نفسيتها فليس للنفس بحسبه إلا البراءة عن النقص والشين والخلاص عن العقوبة والجحيم والهلاك والعذاب الأليم والخلاص عن الرذائل وذلك لا يستلزم الشرف العقلي والسعادة الحقيقية وإن لم يكن خاليا عن السعادة الوهمية والخيالية كما هو حال الصلحاء والزهاد وأهل السلامة من العباد على ما سنشرحه.
وأما الشقاوة العقلية التي بإزاء السعادة الحقيقية العقلية فهي إما بحسب الهيئات